لا شك في ان دعوة جمعية «بيروت دي سي» أهل الثقافة والفن الى لقاء مساء اليوم لبحث سبل الحفاظ على حرية الرأي في لبنان احتجاجاً على تعرض مقص الرقيب لفيلم «سمعان بالضيعة»، ستفقد كثيراً من وهجها. لا لأن الرقيب تراجع عن حذف المشاهد التي رأى انها تمسّ السلم الأهلي في لبنان، ولكن ببساطة لأن الأخبار الآتية من دول أكثر تحضراً مثل بريطانيا وتركيا لا تقلّ إساءة الى مبدأ حرية التعبير، وإن اختلف اسم الرقيب وشكله. في لندن ظهرت الرقابة تحت هيئة المجتمع المدني بعد تعرض هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» لاحتجاجات الخميس الماضي بسبب استضافتها زعيم حزب يميني متطرف في برنامج تلفزيوني رئيسي لها. وفي اليوم ذاته أطل رأس الرقيب في تركيا بعد حذف تلفزيون الدولة (تي ري تي) مقاطع من مسلسل محلي اثار عرضه ازمة ديبلوماسية بين تركيا وإسرائيل بعدما اتهمته هذه الأخيرة بالتحريض على كرهها. وفيما اعتبرت «بي بي سي» ان منع زعيم الحزب القومي البريطاني من الظهور على شاشتها دعوة للرقابة، لم يثر مقص الرقيب حفيظة منتج المسلسل التركي الذي نُقل عنه قوله ان «لكل قناة قواعد الرقابة الخاصة بها»، وأن لا اعتراض لديه على ذلك. امام هذين الخبرين لن يلوم أحد رقيباً من بلاد العالم الثالث، يخشى على «استقرار» وطنه من فتح جروح الماضي، وإن كان ما يتحدث عنه ماضياً لم يمض بعد، ولا تزال فصوله الخبز اليومي للأخبار وبرامج الحوار على الشاشات المحلية. ولكن، ماذا لو وضعنا مقص الرقيب جانباً، ونظرنا الى الجهاز الذي طاوله، أي التلفزيون في الخبرين البريطاني والتركي، وحتى في الخبر اللبناني انطلاقاً من فكرة ان مآل «سمعان بالضيعة» هو التلفزيون في نهاية الأمر. هنا تكثر علامات الاستفهام حول دور هذا الجهاز الصغير الذي بات يشكل حالة رعب لدول كبيرة، ومحط صراعات بين دول ودول اخرى... ولا ضرورة للتذكير بالقنوات التلفزيونية غير المرغوب بها في دول معينة والمرحب بها في دول أخرى، بحسب سياسة كل بلد. وطبعاً ليس المجال هنا كافياً للدخول في كل علامات الاستفهام هذه، لكنه يكفي للسؤال مرة أخرى حول جدوى الرقابة في زمن السموات المفتوحة... وحول ما إذا ستبقى هناك فعلاً وظيفة يقوم بها الرقيب امام صور تتسلل كما تشاء... فإن وجدت صعوبة في الوصول الى شاشة معينة، فلن يصعب عليها الوصول الى شاشة أخرى. بعد هذا كله، ألا تبدو الرقابات، في بلادنا وخارجها، وكأنها تغني أغنية البجعة الأخيرة قبل ان تلفظ أنفاسها الأخيرة، ما يزيدها شراسة، سرعان ما يليها تراجع، كل ما يقال فيه إنه مضحك؟