يشكل الفيل والنملة شخصيتين محببتين في طرائف ونكات كثيرة، لا بد أنكم سمعتم بعضها، وهذه إحداها: "وقفت نملة وفيل ينتظران الحافلة. وعندما وصلت إلى المحطة، تذكر الفيل أنه لا يملك تذكرة. فأخبر النملة بمشكلته، فقالت له: لا تقلق اختبئ خلفي". حياة الفيلة مكشوفة: تهيم جماعاتٍ في السهوب والبراري، وجهتها الماء والغذاء. والفيل رمز للقوة والذاكرة الحادة (؟!)... والتسكّع. وأما حياة النمل فجوفية، تبقى جوانب منها مجهولة، وعصية على اختلاس النظر. والنملة مثال للنشاط يعطى للتلميذ الكسول لعلّه يصاب بالاجتهاد. ذات يوم، ولسبب بقي مجهولاً تماماً حتى الساعة، كبرت نملة حتى صار قطيع من الفيلة يستطيع الاختباء خلفها. وراحت تهيم على وجهها في الأرجاء. ولأنها بالغريزة "بِنْتُ مدينة"، فالنمال من أمهر البنّائين والمعماريين، راحت تطلق عصائرها اللاصقة في الأماكن، وتدسّ فيها الأحجار والأعشاب، مثلما تعوّدت عندما كانت ضئيلة الحجم. ومثلما حصل لهذه النملة وكبرت، لسبب بقي مجهولاً تماماً حتى الساعة، حصل لكثيرات غيرها. فشكّلت النمال الكبيرة فرقاً جرارة، تروح وتجيء بنشاطها المعهود عندما كانت صغيرة، تشيّد المباني وتعمّر المدن. إلاّ أن مخلوقات غريبة تدب على قائمتين احتلّت تلك العمارات، لتعيش فيها وتعمل وتتعلّم وتتكاثر... في بادئ الأمر، لم تُعجَب النمال الجبارة بتصرّف تلك المخلوفات. ولكنها، ولسبب بقي مجهولاً تماماً حتى الساعة، عادت وقبلت وسمحت لهم بالبقاء في أوكارها. وصارت تراهم كأسرى داخل إنجازاتها العمرانية، بينما بقيت طليقة تجوب الأماكن، ممتلكة الهواء والتراب والماء والنار. حتى أن النمال الضخمة أنشأت ملاجئ في جوف الأرض، مثلما كانت تفعل وهي ضئيلة الحجم، لتقي أسراها شر الحروب التي أخذت تنشب بكثرة بين بعضهم بعضاً، ولأسباب بقيت مجهولة تماماً حتى الساعة. بيد أن توسّع رقع العمران، أبعد النمال الجبّارة عن الفيلة، وانقطعت الطرائف والنكات عن النملة والفيل، فانقطع الضحك وصمتت القهقهات... صارت النمال تبحث عن سبب يبقى مجهولاً تماماً لتعود إلى ضآلتها وتخبئ الفيلة خلفها. ___________ لإرسال صورة وتعليق: [email protected]