استطاع باحثون اميركيون تحديد معالم إصابة الدماغ التي تؤدي الى عدم مقدرة بعض الجنود على متابعة حياتهم الطبيعية بعد عودتهم الى بلادهم من حروب خاضوها، وتختلف عما يعرف حاليا ب "بي تي اس دي" (اضطراب ما بعد الصدمة)، والذي كان يعرف خلال الحرب العالمية الأولى بإسم "شيل شوك" (صدمة القصف). وأجرى الباحثون عمليات تشريح لجنود اميركيين سابقين كانوا نجوا من انفجار عبوات ناسفة في العراق وأفغانستان ثم توفوا لاحقا لأسباب أخرى، وتبين ان السبب وراء معاناتهم من "اضطراب ما بعد الصدمة" تعرضهم لنوع فريد من اصابة الدماغ. وذكرت صحيفة " اندبندنت" البريطانية ان الباحثين فحصوا ادمغة خمسة ناجين من العبوات الناسفة تم التبرع بها الى "معهد القوات المسلحة لعلم الامراض"، وقارنوها بأدمغة 24 شخصا لقوا حتفهم لأسباب مختلفة. وعثر على جروح شخصت بأنها "الياف عصبية مكسورة ومتورمة على نمط قرص عسل" في أربعة ادمغة من أصل الخمسة، لكنهم لم يعثروا عليها في ادمغة الذين عانوا من أنواع إصابات في الدماغ تحدث جراء حادث سيارة او جرعة زائدة من المخدرات او عارض ضرب الرأس بشكل متكرر في حالات الثمالة. وأصيب دماغ الناجين من العبوات الناسفة في مناطق حرجة في الدماغ تتضمن الفص الجبهي المسؤول عن عملية صنع القرار والتفكير. واستنتج العلماء ان هذه الإصابات قد تكون سببا في المشاكل الاجتماعية والنفسية التي تواجه بعض قدامى المحاربين. وقال فاسيليس كولياتسوس أستاذ علم الامراض والاعصاب والطب النفسي في "جامعة جونز هوبكنز" في بالتيمور، وأحد المشرفين على الدراسة، انه "للمرة الأولى يتم استخدام أدوات علم الامراض الحديثة للنظر في مشكلة عمرها 100 سنة، وهي تأثيرات الانفجارات على الدماغ". وأضاف ان "موقع ومدى هذه الإصابات قد يساعد في توضيح سبب عدم مقدرة الناجين من هجمات العبوات الناسفة على العودة الى حياتهم الطبيعية". وذكر كولياتسوس ان "الحياة صعبة جدا امام هؤلاء الناجين وقدامى المحاربين، إذ عانى كثير منهم من الاكتئاب والقلق وتعاطي المخدرات"، مشيراً إلى أن "علينا فهم انه على الأقل هناك جزء من هذه الصعوبات له أساس عصبي". ويعتقد ان حربي العراق وأفغانستان أدتا إلى زيادة حادة في عدد الجنود الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة، وقدرت "هيئة الاجهاد القتالي" الخيرية ان نحو 50 الفا من الجنود السابقين سيعانون من نوع ما من مشاكل نفسية خلال العقود المقبلة. وظهر هذا المرض للمرة الأولى بعد الحرب العالمية الأولى في كانون الأول (ديسمبر) 1914، اذ كان نحو عشرة في المئة من الضباط البريطانيين وأربعة في المئة من صفوف قوات أخرى يعانون مما كان يسمى في ذلك الوقت "صدمة عصبية ونفسية". واعتبر مرض "شيل شوك" من اوسع مظاهر النزاع في تلك الفترة. وكتب ولفريد اوين، وهو شاعر وجندي بريطاني عانى من "شيل شوك" في 1917 قصيدة "حالات عقلية" متعاطفاً مع الذين يعانون من هذه الحالة التي لم تكن مفهومة وقتذاك. وذهب بعض كبار الضباط في تلك الفترة الى الاعتقاد بأن استمرار هذه الحالة لوقت طويل عند المصاب دليل على ضعف الشخصية، وتم اعدام بعض المصابين بتهمة الخوف من العدو.