أكد المدير العام للتحرير في صحيفة «الحياة» جميل الذيابي أن الأزمة التي تعرضت لها الصحافة الورقية، «ليست وليدة اللحظة»، طارحاً تساؤلات عدة، من بينها: هل الأزمة المالية فاقمت من حرية الصحافة؟ هل اختفاء «كريستيان ساينس مونيتور» له انعكاساته؟ وفي ظل الحديث عن السبق والصدقية والمهنية والموثوقية، هل هناك سبق طائش يسبق المهنية؟ أليس من المفترض أنه لا تهاون في الصدقية كي لا تتهاوى المهنية؟ هل البث الإلكتروني طائش أم لا؟ أسئلة كثيرة تقف حائرة... هل قتلت الفضائيات فرصة السبق الصحافي؟ وهل الجوائز والمسابقات... مقامرة أم مغامرة»؟ وأشاد الذيابي، في مستهل تقديمه للجلسة الثانية في منتدى الاتحاد الرابع الذي نظمته صحيفة «الاتحاد» الإماراتية أخيراً وشارك فيه عدد كبير من الإعلاميين والمهتمين، بتجربة «الاتحاد» قائلاً: إن هذه الصحيفة أصبحت تمتلك أقلاماً و «وجهات نظر» مميزة... لا أعتقد أن هناك إعلامياً عربياً لا يتصفح صحيفة الاتحاد». وناقشت الجلسة الثانية من المنتدى موضوع «المسؤولية في بيئة الصحافة الورقية»، فضلاً عن رصد التحديات التي تواجه الصحافة في الإمارات ومشكلات الصحافة العربية عموماً. وكانت الورقة الأولى لرئيس هيئة تحرير صحيفة «الوقت» البحرينية، إبراهيم البشمي، وجاءت بعنوان: «ثلاثية السبق والمصداقية والمهنية»، وطرح خلالها تساؤلات حول مصير الصحافة الورقية، في ظل منافسة من الصحافة الإلكترونية ووجود تشريعات تراقب وتحاسب منذ العهد العثماني، مروراً بأحدث القوانين العربية التي أبقت على موانع «الرقابة» مع تغيير العبارات فقط. وتساءل عن توصيف وضع الصحافة العربية «التي لا تزال إحدى قدميها مطوطحة في الهواء لا تستطيع أن تحط على الضفة الإلكترونية الأخرى لألف سبب وسبب، بينما القدم الأخرى موضوعة في حذاء ورقي قابل للتمزق في أية لحظة لألف سبب وسبب أيضاً». وقال البشمي: «إن الانترنت والفضائيات قتلتا فرصة السبق بالنسبة إلى الصحافة المكتوبة». وفي المحور الثالث من الجلسة الثانية، سلّط رئيس قسم الشؤون المحلية في صحيفة الاتحاد أحمد المنصوري، الضوء على المحددات والعوامل التي يراعيها الصحافي أثناء قيامه بمهمته، إذ يواجه العاملون في المجال الصحافي قيوداً تحد من دورهم في مراقبة أداء مؤسسات الدولة بحريّة وشفافيّة ومسؤولية تجاه المجتمع، وهي إما قيود ثقافية اجتماعية نابعة من طبيعة النظام السياسي الاجتماعي السائد في البلد، أو قيود قانونية وضعت للسيطرة وضبط أداء وسائل الإعلام. وقدم رئيس تحرير الشرق القطرية جابر الحرمي، في ورقة العمل الثالثة وعنوانها: «البعد المحلي كأداة للتميز: صحيفة الشرق القطرية نموذجاً»، تجربة صحيفته لملحق شهري بعنوان: «بالقطري الفصيح» يقوم بإعداده وتحريره فريق قطري مئة في المئة، من دون أدنى تدخل من الخبرات الوافدة. ورأى الحرمي أن هذه التجربة تسجل الريادة لمؤسسة دار الشرق للطباعة والنشر والتوزيع، التي أخذت على عاتقها دعم وتشجيع الطاقات القطرية وحملت لواء إعداد وتدريب وتأهيل الكوادر القطرية من الجنسين في المجال الصحافي، وعملت على صقل مواهبهم من خلال هيئة تحرير الشرق ومركز الشرق للدراسات والإعلام والتدريب للدخول إلى عالم الصحافة. ولخص الكاتب والصحافي عبدالوهاب بدرخان مشكلات الصحافة الورقية العربية في ثلاثة جوانب، أولها: طبيعة النظم السياسية وقابليتها للتطور، فهذه تتحكم بنوعية الصحافة الممكنة وسوية مهنيتها وحدود ممارستها لدورها. فالمهنية الصحيحة لا تعمل إلا في بيئة تحترم قيم العدل والحرية والمساواة والحقوق الطبيعية للإنسان، أما غياب هذه القيم فلا يخفض مهنية الصحافي وحده، بل يخفض أيضاً مهنية السياسي والمسؤولين بمستوياتهم كافة. وثانيها الكيان القانوني الذي يعترف بمهنة الصحافي والإعلامي، أي يعترف بخصوصية عملها ويحميها. هنا لا بد للصحافة من ان تتابع بدأب ونشاط العمل للحصول على أفضل إطار قانوني لعملها. والواقع أن الصعوبات التي يتعرض لها الصحافي في عمله تُعزى إلى بطء تبلور ثقافة احترام حق الرأي العام في المعرفة، وهي الثقافة التي تلزم الدولة بمؤسساتها وأشخاصها بالتعامل الجاد والإيجابي مع الصحافة. وثالثها التمويل، وقد أدى العهد الطويل من الاعتماد على العطاءات الحكومية، المباشرة أو المقنّعة، إلى استشراء أمراض في جسم الصحافة جعلت العلة منها وفيها. فمن يعول على هذا التمويل يفقد تلقائياً أهلية المطالبة بالحقوق والحريات التي يحتاج إليها ليمارس المهنة وفقاً لأصولها، وليس له سوى أن ينتظر حتى تدرك هذه الجهة الحاكمة أن لديها مصلحة في أن تُعرف الحقائق وأن يكون هناك نوع من «السلطة» في يد الصحافة، وهذه أمنية ترقى إلى المستحيلات. ومع نشوء صحافة بتمويل خاص أمكن التعرف إلى محدودية التحسن، الذي جلبته ميزة القطاع الخاص الذي يرتبط أشخاصه بتبعية لمصالحهم ولمن يتحكم بهذه المصالح، فصحافتهم «المتحررة» نظرياً من قيود التمويل الحكومي تخضع واقعياً وعملياً لشروط مزدوجة، غالباً ما تكون أشد تضييقاً على الصحافة و الصحافيين. وفي تعقيب له، استغرب الإعلامي تركي الدخيل الخوف من الصحافة الالكترونية، موضحاً أن المشكلة في المواقع الالكترونية للصحف العربية أنها نسخة من الطبعة الورقية. بيد أنه ألمح إلى وجود كثير من المواقع الالكترونية التي لا تتحرى الصدقية في نقل الأخبار، إذ تحرص على السبق من دون الاهتمام بالمهنية. أما رئيس تحرير صحيفة الوطن جمال خاشقجي، فطرح استفساراً مؤداه: ماذا نفعل مع كتّاب الرأي، فهم يقدمون معلومات يصعب التأكد منها أو تدور حولها شكوك؟. من جانبه، قدم الدكتور إبراهيم البحراوي تهنئتين ل «الاتحاد» بعيدها الأربعين، وللمنتدى الذي دخل عامه الرابع، وبات جامعاً بين المثقفين ورجال الأعمال في جميع الأقطار العربية، داعيا الصحافيين إلى وضع الأيدي على هموم المواطن، عن طريق التحقيق الاستقصائي ومعرفة الأسباب العميقة للمشكلات، وبالتالي التفاعل الأعمق مع القارئ. واعتبر الدكتور سعد بن طفلة العجمي أن هناك خلطاً بين الصحافة والإعلام. وفي مداخلته على ما دار في الجلسة الثانية، قال الدكتور عبدالله الشايجي إنه لا توجد صحافة عربية واحدة، «فهناك صحافة تمثل الرأي الرسمي، وهناك صحافة تمثل الرأي المستقل، والصحافة لم تعد صحافة خبر، بل صحافة تحقيق، كما أن الصحافة يجب أن تعيد اكتشاف نفسها». فيما رأى عبدالله عبيد حسن أن مشكلة الصحافة العربية، ليست في المنافسة ولا في الهجمة الالكترونية، «أزمة الصحافة العربية هي أزمة البحث عن رسالة أو مهمة، تستعيد بها وضعها الريادي والتاريخي». أما الدكتور بهجت قرني، فلديه قناعة بأن الوسيلة لإنقاذ الصحافة الورقية هي البعد المحلي. من جانبها، تساءلت الإعلامية نادين البدير: هل تعني القيود الاجتماعية والدينية طمس الحقيقة؟ وهل احترام القيم المجتمعية يعني رفض الإصلاح تحت شعارات الحفاظ على التقاليد؟