وللصوت الخفي المستتر الذي يدس السم في العسل أكتب وأشير ولو بالرمز، لأن «خفافيش النت» هم من يجيد التحدث بكل ضحالة فكرية من منازلهم الواقعة تحت خط الظلام، أكتب من هنا لعشاق التحليل والتجريم والتحريف بلا طلب تارة، وتارة لهواة الترميز والإشارة الهامزة اللامزة، وثالثة أخرى لرواد التفسيرات ومحترفي الفهم، موجهي كل إساءة مفاجئة للمكان بمجرد أن يمثلها اسم، متناسين أن الوطن مزج بين الوجوه والأجساد لتختلط بفطرية خالصة وقناعة تامة وتشكل وجهاً حقيقياً واحداً هو في الأخير المواطن السعودي «الرمز»، أصدق ما قيل من جمل على امتداد المواجهات القاسية المؤلمة مع الإرهاب أن المدعو/ الإرهاب ليس له وطن ولا ينطلق من مكان ثابت، بل هو فكر متنقل عبر أجساد مجنونة تم خلع العقل منها على طريقة خلع الضرس تماماً. يستحيل أن يُعَمَم على المكان وأهله ضعف فكر وسوء تركيبة اجتماعية بجريرة مجرم من قائمة المخلوعين المغادرين بلا رجعة على خط التدريج، ولن يقبل الجسد الواحد تفصيلاً مهترئاً ونزعاً لأطرافه على خريطة الانتماء والعهد والوعد، وإذا كان يمثل الخطأ/ المجرم حالة استثناء وحيدة في الجرأة والطريقة ولعبة معلومة الاسم والتوجه منذ زمن مبكر ومتوقع منها الإساءة للجسد اللحمة المتماسكة الكاملة المتكاملة ذاتها بأي لحظة، فما ذنب من هم خارج نقطة الاستثناء. في مساء من مساءات السدس الأول من الشهر الماضي كان الإرهاب مستهدفاً ركناً من أركان الدولة عبر مجرد اسم يدعى «عبدالله عسيري»، هو في المجمل مشتق التفكير والتخطيط بكامل تفرعات الدماغ وأعضاء الجسد للتنظيم المفكك ذاته حتى وإن تواجد باسمه الرباعي تحت قائمة مطلوبين أمنيين، استنفر الوطن حينها لاستهداف الرمز والركن وبكى لوصول حال ابن من أبنائه لهذا المستوى من الغدر والخيانة، وعرف العاقل الفطن انه لا علاقة للتنشئة أو الاسم الأخير بمجرد الانتماء للتنظيم، إذا ما قورنت بالأسماء الأخرى، كون قائمة الإرهاب تشكيلة متنوعة تختار من الأرض بعشوائية مطلقة ودون الالتفات لأي رابط، المهم أن يَسْهُلَ الغسل والخلع وضخ الفكر بشكل تلقائي وتقبل الخطة المرسومة وتُسْتَبْدَل الأسماء الأولى بألقاب ارتبطت عبر تكرار التلقين والسماع بالصلابة والحماسة من وزن «أبو قتادة وأبو مصعب وأبو البراء» فتتصدر قلوب الكل وترفع عيار التوتر كما لو كان الكل في ساحة جهاد كشيء من الحقن النفسي الموقت لحين الموت بلا رحمة وليختفي بالكلية اسم الجد وصوت القبيلة الأهم حد الإمكان وهي التي لن ترضى بأن يُنْتَهَك حدها الاجتماعي المتماسك بمجرد رقم عابر، اخذ منها الاسم الأخير وغادر ليأتي بجريمة فاضحة. في صباح اليوم قبل الأخير من السدس الخامس لهذا الشهر وقف رجال الأمن وقفتهم المعتادة في وجه خائنين جدد وأحبطهم في مكانهم بالموت والإمساك ليذهب رجل الأمن «عامر عسيري» شهيداً عملاقاً في المواجهة وكأنه أراد أن يبرهن أن قلب مواطن البلد واحد المضمون، متشابه الشرايين والأوردة، لا يضعفه خطأ أفراد، ولا ينتمي له مجرد الاكتفاء باسم، فلا علاقة للاسم الأخير بتشكيلة مجتمع نشأ وسيظل يجيد لغة الانتماء ويعزف عشق الأرض ويغني مواويل عن حب التراب وقيمة الإنسان، الفارق بين الاسمين كالفارق بين السماء والأرض، وجسد عامر الشهيد أكبر رد وأوضح تعبير عن أن الفرد الخارج لا يمثل إلا نفسه ونفسه فقط، ولم يرضع مع حليب الأم إلا كل ما يرفع الرأس، ولم يحفظ من نداءات الأب إلا ما يعزز علاقة الجسد بأرضه الحُلُمْ، ولذا يستعيد أهل المكان الأبرياء العبارة الصريحة القائلة «إن الإرهاب ليس له وطن». [email protected]