إذا كان الهدف من منح الرئيس الأميركي باراك أوباما جائزة نوبل للسلام التأثير على قراره في شأن مستقبل المواجهة العسكرية في أفغانستان، فإن هذا الهدف، على ما يبدو، لم يتحقق. فالأوساط المقربة من الرئيس أوباما تشير إلى أنه على وشك الإعلان عن استجابته لطلب القادة الميدانيين بزيادة ضخمة في حجم القوات الأميركية العاملة في أفغانستان. وتأتي هذه الزيادة في أعقاب زيادات أخرى، بعضها أشار إليه طاقم الرئيس صراحة، والبعض الآخر جرى تمويهه في اعتباره زيادة في القوة الداعمة لا القوة المقاتلة. والواقع أن الرئيس أوباما مثابر في قناعته أن الحرب في أفغانستان هي «حرب الضرورة» (في مقابل «حرب الاختيار» في العراق والتي عارضها)، وذلك على الرغم من التبدل العميق في طبيعة المعركة والخلفية المهيئة لها. والقناعة التي يلتزمها أوباما في شأن أفغانستان هي أن المعركة فيها تهدف إلى ضمان عدم تكرار اعتداءات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، عبر إنزال الهزيمة بتنظيم القاعدة ومنع حركة طالبان التي احتضنت القاعدة ومكنتها من التدريب من العودة إلى الحكم ومن تكرار دعمها للإرهاب الدولي. ولا يختلف أوباما بهذا التقويم عن سلفه جورج دبليو بوش، إلا من حيث تأكيد أوباما على ضرورة منح هذه المعركة الأولوية، في حين أن بوش كان قد فتح جبهة أخرى، هي العراق، استنفدت طاقات يرى أوباما أنه كان من الأجدى تخصيصها لأفغانستان. لكن الواقع تغير، من دون أن يصاحبه تغيير في الطرح الأميركي. فتنظيم القاعدة قد غادر أفغانستان بصورة تكاد أن تكون كاملة. وتقديرات الاستخبارات الأميركية نفسها هي أن أعداد المنتمين إلى هذا التنظيم في أفغانستان لا يتجاوز المئة إلا بقليل. وحتى باكستان، والتي يرجح أن القادة الرموز لتنظيم «القاعدة» ما زالوا يقيمون فيها، قد شهدت نزوحاً من المقاتلين العرب. ففي الحالتين، تحولت المواجهة من حرب تستهدف الإرهاب الدولي إلى معركة داخلية تدعم الولاياتالمتحدة وحلفاؤها أحد طرفي النزاع. ففي أفغانستان، ما لم يتبدل هو التصور التعسفي الذي تعتنقه حركة «طالبان» لكيفية وضع قناعاتها الفقهية موضع التطبيق، بما في ذلك إصرارها على رفض المنظومة السياسية الدولية والجنوح إلى الانعزال. أما ما تبدل، فهو اعتماد طالبان على تعبئة حصرية لمواطنين أفغان في معركتها مع القوات الحكومية وما يدعمها من قوى دولية. ويصاحب ذلك على المستوى الخطابي حصر الاهتمام في الشأن الأفغاني والتجنب شبه الكامل للتعليق على أية مسألة خارج أفغانستان. فما يجري اليوم في أفغانستان هو في واقع الأمر حرب أهلية بين حكم مركزي، صوري في الكثير من أوجه سلطته ومنهك بالفساد المنفّر، وبين تنظيم مسلح يبني، على أسس دينية قابلة للتداول محلياً، رفضه لمشروعية الحكم المركزي وإن كان بدوره ذا سجل سوابق منفرّة للكثير من سكان البلاد. والمصلحة الأميركية تقضي فعلاً أن يستمر الحكم القائم في كابول وأن يتوطد. ولكن السؤال هو هل إن هذا الأمر هو تفضيل أم ضرورة بالنسبة الى الولاياتالمتحدة؟ بل عند العودة إلى المجريات التي تلت اعتداءات الحادي عشر من أيلول 2001، هل كان رفض حركة طالبان تسليم قيادات تنظيم «القاعدة» إشعاراً باندراجها في الجهاد العالمي، أم هل كان، وحسب، موقفاً مبدئياً قائماً على عدم التفريط برفاق الجهاد الأفغاني من الوافدين إلى البلاد والذين حاربوا جنباً إلى جنب مع أهلها في مواجهة الاتحاد السوفياتي؟ وإذا صحّت القراءة الثانية، فهل إن اقتصار التعبئة اليوم على الأفغان يعفي دولة طالبان العتيدة، إن تمكنت الحركة من تحقيق أهدافها، من احتضان جديد لمشروع جهاد عالمي يرمي بالدولة إلى التهلكة؟ هذه أسئلة يتجنبها القادة العسكريون الأميركيون في سعيهم إلى تكرار النجاح الذي تحقق في العراق من خلال رفع عدد القوات لتبديل معادلات القوة على الأرض. غير أن سعيهم يصطدم باختلافات جوهرية في طبيعة القوى الموالية كما المعادية لهم بين كل من العراق وأفغانستان. فالحكم المركزي في بغداد كان يلقى القبول المبدئي لدى غالبية المواطنين العراقيين، والقوى المعادية للاحتلال كانت متفرقة بين اتجاهات ترى في المقاومة مشروعاً وطنياً وأخرى تعتبر الساحة العراقية نقطة انطلاق لإقامة واقع جديد في المنطقة والعالم. أما الحال في أفغانستان فهو أن الحكم المركزي مستنزف المشروعية شعبياً، والحركات المعادية له جميعها محلية، والتعويل على جرّها إلى مواجهات جانبية بين بعضها البعض، أو شق أكبرها، أي حركة «طالبان»، لا يتجاوز الأبعاد النظرية. في المقابل، فإن الحسابات التي مكّنت القادة العسكريين من التقدم بأرقام معقولة للقوى الإضافية المطلوبة (أي بعشرات الآلاف لا بمئات الآلاف)، بنيت على تقديرات متفائلة لواقع الحال الأفغاني. فاحتمالات الخسارة، بل الهزيمة، على رغم إقرار الزيادة في عدد القوات، تبقى عالية، في معركة لم تعد طبيعتها الوجودية بالنسبة الى الولاياتالمتحدة مقنعة. ما الذي يدفع الرئيس أوباما إذن إلى المضي قدماً في تصعيد من شأنه إهدار بعض قاعدته الانتخابية من الأوساط المعادية للحرب؟ لا شك أن الرئيس أوباما قد تقدم بطروحاته في مجموعة من الملفات الخارجية، من صورة الولاياتالمتحدة في العالم والتسوية بين إسرائيل والفلسطينيين، إلى طريقة التعامل مع الطموحات الإيرانية، والحاجة إلى نزع السلاح النووي عالمياً، بالإضافة إلى ملفات كوريا الشمالية والعراق وأفغانستان. ولكن الحقيقة التي ما زال طاقم الرئيس قادراً على تشذيبها هي أن الطلاقة الخطابية لم تترجم إلى اليوم تقدماً ملموساً في أي من هذه الملفات. وعلى رغم صعوبتها، فإن المعركة في أفغانستان تبقى إحدى قضايا قليلة يمكن لأوباما رؤية تقدم ملموس فيها في المستقبل المنظور. في المقابل، فإن ثمن هذا التقدم وجدواه على حد سواء يستوجبان من الرئيس الحائز على أهم جائزة سلام اعتباراً قد يكون مختلفاً. «نوبل» إذ تضع صورة أوباما بين قوسين