المتأمل للمشهد الفني والأدبي في العالم العربي يجد ان المثقفين والشعراء والفنانين والنقاد والروائيين والكتاب والاعلاميين الذين ذاع صيتهم، في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، يسيطرون على الساحة الثقافية العربية حتى اليوم. هم نجوم الشاشات والصحف والمهرجانات والمناسبات، والكل يسعى الى حمايتهم وتكريس وجودهم بلا كلل. هم الجيل الذي لا يقهر ولن تجد الساحة افضل منه. فرض هؤلاء سطوتهم على نحو غيّب الاعتراف بالجيل الجديد، وقفز على ثقافة المجايلة. تلك الاسماء التي تكرست، على مدى نصف قرن، أصبحت الوجه الوحيد للثقافة العربية بكل أشكالها ومجالاتها، فلا احد يقترب منهم او يقاربهم. وانتقلت هذه الحال مع الثقافة الى السياسة، واكتسبت الحقبة السياسية التي ينتمي اليها هؤلاء القداسة ذاتها. يُنسب اليها كل انجاز. وتوقفت الحياة السياسية العربية عند احداث واشخاص. وصارت تلك الحقبة المرجعية والنموذج للمرحلة السياسية الراهنة. وتركز النقد الثقافي والدراسات السياسية على انجازاتها واخطائها. أصبحنا نعيش حالا من هوس الماضي، ونمارس انحيازاً طاغياً الى هؤلاء الرواد في شتى المجالات. الوفاء للماضي جميل، لكن المستقبل أجمل. الأجيال الجديدة في الساحة الثقافية العربية تحارب الظاهرة وتكرسها في آن. وحال «الصراع» على ريادة المشهد الثقافي والسياسي في العالم العربي جعلت المثقفين في كل بلد عربي يرفضون الاعتراف بالوجوه الجديدة في البلاد الاخرى، بغية تعزيز فكرة ان هذا البلد او ذاك خرج من المنافسة، ويعيش على سمعة ارثه القديم. وفي المقابل جابه كل بلد عربي جاهلية الشقيق بجاهلية مماثلة. والنتيجة في النهاية صبت في تقديس القديم عند كل الاطراف، فتجاهل الجميع الوجوه الجديدة. الدول العربية تتصرف اليوم كأقطار تمثل نفسها، وليست دولا تمثل أمة. كل دولة صارت تمثل ثقافة بذاتها. وفي وسط هذا «الصراع» والتزاحم على الريادة، احتكمنا جميعاً الى القديم، وغيبنا الشباب. في الاسبوع الماضي كسرت الكويت هذا الجدل. كرمت شابين هما تركي الدخيل، كأفضل مقدم برنامج تلفزيوني، وسلطان القحطاني كأفضل صحافي شاب. وهي سابقة تستحق التقدير، ولا بد من تشجيع هذه الحماسة للأجيال الجديدة في شتى مجالات الإبداع.