من دون حقائق علمية ثابتة، رسمت وسائل الإعلام صورة سلبية عن المصابين بمرض «الفصام» في القصص والأدوار السينمائية، معتمدة على خيال الكتاب والروائيين، ليجاهد مريض الفصام «غريب» في تغيير هذه الصورة بتأليف «رواية»، وإعلان الموهبة والفن في «الشطرنج» و«التشكيل». تضمنت الصور المغلوطة عن مريض «الفصام» على أن له شخصيتين ينتقل من واحدة إلى أخرى، وعززت فكرة العنف والتصرفات الغريبة الملصقة به، وشجعت على التمييز ضد «الفصاميين»، وكل هذه الأسباب وغيرها دفعت «غريب» لتأليف روايته الأولى والمكونة من 186 صفحة، ولوحاته التشكيلية التي تباع في غالب منافذ بيع الكتب في السعودية. وبين دافع إظهار الموهبة وتوضيح ماهية مريض الفصام الحقيقية بطريقة يتشربها المجتمع بعيداً عن المحاضرات والمصحات النفسية، تارة بالرسم وتارة أخرى بالكتابة، قرر «غريب» - 40 عاماً - سرد قصته مع المرض ومعاناته وأصدقائه ممن يتشاركون الهم نفسه ويتوحدون في المعاناة، كما أوضح خلال حديثه إلى «الحياة»، ليبدأ فصله الأول لروايته الواقعية عند سن الثامنة مع ظهور المرض، بينما كان يختلي بنفسه ساعات طويلة إلى أن ظهرت عليه أعراض المرض، إلا أنه بفضل أسرته استطاع البدء في العلاج باكراً، ما خفف معاناته لاحقاً مع المرض. ويأتي الفصل الثاني في رغبته باللحاق بركب الحياة الاجتماعية وقرار الزواج الذي تم إيجاد تذكرة صعوده بصعوبة، واختتم سن ال 40 بعد أربع تجارب زواج وخمسة أبناء، ثلاثة منها لم تكن ناجحة بسبب تداعيات المرض وبعض أعراضه التي لا تتفق والحياة الزوجية للاستمرارية. ويدخل في فصله الثالث وهو البحث عن عمل ووجود عمل يستطيع «غريب» أن يقدم عطاء يتناسب مع وضعه الصحي المختلف بعد خوضه سبع محاولات وظيفية استقرت في إحدى الشركات الكبرى، مستمراً في تحدي المرض الذي يكلفه أدوية وعلاجات تجبره الاعتياد على آثارها الجانبية الكثيرة، بعد أن كانت بدايات علاج هذا المرض منذ القرون القديمة بالضرب والجلد والتقييد بالسلاسل وإحداث تشنجات من طريق الأنسولين واختلاف تفسيراته بين كونه مساً شيطانياً أو عقوبة إلهية، إلى بداية الخمسينات من القرن الماضي، إذ تم اكتشاف أول مضاد للذهان وهو «الكلوروبرومازين» لمرضى الفصام، ثم توالت الاكتشافات إلى ظهور الأدوية المضادة للذهان الحديثة. وتتوالى الفصول في رواية «غريب» الواقعية والتي تتنقل بين الصراع الحقيقي مع المرض وإثبات الذات والدفاع عن مرضى الفصام «الطبيعيين» والذين أصبح المرض جزءاً من حياتهم ولكنه لم يعقهم، واستطاعوا التعايش معه، مكملين مسيرة الحياة بقوة الإرادة. وضع «غريب» خاتمة واضحة لروايته المؤلفة، ولكن قصته الحقيقية ما زالت مستمرة وفصولها متوالية يتنقل فيها مسيّراً لا مخيّراً باختيار الأحداث والشخصيات، أملاً أن تكون خاتمة سعيدة له ولكل مرضى الفصام الذين يتمنى أن تصل أصواتهم للعالم بأجمعه. وأشار «غريب» في نهاية حديثه إلى أنه يدير حساباً على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» ب 150 ألف متابع، باسم مرضى الفصام.