سوء ظن يكشف جون كيري في «وليم غولدينغ: الرجل الذي كتب سيد الذباب» الصادر عن دار فابر «الوحش بالفعل والقول والفكر» في الكاتب الإنكليزي. حقّق أستاذ الأدب الإنكليزي في جامعة أكسفورد حلم جميع كتاب السيرة بالاطلاع على كل ما خلفه غولدينغ من مخطوطات وأوراق خاصة. ثلاث روايات غير منشورة، مجلدان من سيرة ذاتية ويوميات غطت عشرين عاماً. أدرك الكاتب قسوته ونفر منها، وقال انه كان انضم الى النازيين لو عاش في ألمانيا في حقبتهم. «فهمت النازيين دائماً لأنني من طبيعتهم». على أنه لم يسئ الظن في نفسه فقط بل في جوهر البشرية عينها. أن يكون المخلوق إنساناً «كابوس طويل»، والرادع الوحيد للحرب النووية خوف الإنسان من تدمير نفسه. في المذكرات التي تركها غولدينغ (1911- 1993) لزوجته آن اعتراف بمحاولة اغتصاب دورا، ابنة الخامسة عشرة التي كان التقاها قبل ثلاثة أعوام أثناء تلقيهما دروساً في الموسيقى. أحس خلال نزهة بأنها ترغب في «الجنس الثقيل الذي كان مكتوباً بوضوح على فمها الناضج الشهي». لكنها صارعته كأنه عدوها فهزّها وصاح: «لا أريد إيذاءك». التقيا مجدداً بعد عامين ونجح هذه المرة في النوم معها من دون إكراه، لكنها انتقمت منه بإقناع والده المعلم بمراقبتهما بالمنظار. كانت تعرف أن ابنه الأكبر جوزف سيكون في الحقل نفسه مع صديقته، وأرادت أن يدرك أن ولديه ليسا كاملين. ذكر غولدينغ في «الرجال، النساء واليوم» غير المنشورة أن دورا كانت منحرفة بطبيعتها، وعلى علاقة بشاب آخر أحب جلدها، فوجد غولدينغ آثار الجَلد على جسدها «مثيرة في شكل مقزز»، وجعل نفسه بذلك شريكاً في السادية لشريكه بالفتاة. كانت مولي باردة خلافاً لدورا لكنه خطبها ثم تركها عندما تعرف الى آن الماركسية الجميلة الذكية. دمر حياة مولي عندما تزوج آن، وبنى عليها شخصية بياتريس الباردة التي يحبها الراوي في «سقوط». لا يجد كيري إشارات الى السادية في طفولة غولدينغ الذي كان حساساً يخشى طبع والدته الحاد ويشاهد الكوابيس في نومه. ورث كراهية النظام الطبقي من والديه الاشتراكيين الملحدين، لكنه عانى من برودهما العاطفي. قطع دراسة العلوم الطبيعية في أكسفورد ليدرس الأدب الإنكليزي، ثم قطع عمله في التعليم لينضم الى سلاح البحرية. ساهم في إغراق «بسمارك»، أقوى السفن الألمانية، وكان قائد سفينة خلال هبوط الحلفاء في النورماندي الذي كلفهم آلاف الضحايا، لكنه أدى الى تحرير فرنسا وكان بداية نهاية الحرب. يقول كيري ان هذه عرفته الى جبنه وشجاعته، عجزه وذكائه، لكنها صنعته وولّدت «سيد الذباب». لم يتعاف من أهوال السادس من حزيران (يونيو) وبدا، عند عودته، رجلاً مختلفاً، صموتاً، متأملاً، وأطلق لحيته ثانية كأنه يختبئ بها من العالم. أثقلت عليه إساءته الى طفله ديفيد الذي أصيب بانهيار عصبي في ما بعد، وسوء معاملته مولي، ومساهمته في القتل في المعارك فازداد اعتماداً على الكحول. فاقمت هذه إساءته الى آن وغيرها، وعززت اشمئزازه من نفسه، فظن أنه وحش حقاً ورأى الشرور كلها في قلبه. أهمل غولدينغ تلامذته في الصف ليكتب، وقال في مذكراته انه اعتمد قدراً من «العلم الاختباري» ليعرف كيف سيتصرف الفتيان إذا منحوا حرية أكبر. رافق مجموعة منهم يوماً في رحلة ميدانية وقسمها فريقين يهاجم أحدهما حظيرة قديمة ويدافع الآخر عنها. جحظت عيناه وهو يراقب العداء المتصاعد بينهم، واستخدم خبرته في التعليم والحرب في كتابة «سيد الذباب» التي أكدت ايمانه بالشر طبيعة إنسانية، وباعت في بريطانيا وحدها عشرين مليون نسخة. رفضت دور النشر محاولاته الأدبية الثلاث الأولى، وكادت «غرباء من داخل» تواجه المصير نفسه بعد أن قرأتها بولي بركنز من دار فابر ووجدتها «فانتازيا سخيفة لا تثير الاهتمام». تدخل موظف جديد واقترح بضعة تعديلات صنعت إحدى أهم الشركات الأدبية طوال أربعين عاماً. وافق الكاتب على اقتراح تشارلز مونتيث حذف القسم الأكبر المتعلق بالقنبلة النووية، وتغيير شخصية سايمون الذي جعله غولدينغ شبيهاً بالمسيح وتبني عنوان «سيد الذباب». لم يصدق الكاتب نجاح الرواية المذهل، وقال انه مقتنع بأنه لم يكتبها: «انها أكبر مني بكثير». غير أنه كرهها بعد ذلك مثل كتاب كثر ينفرون من أشهر أعمالهم لنفيها الكتب الأخرى مهما بلغت جودتها. قرأها بعد عقدين في أوائل السبعينات ووجدها مضجرة وخاماً ولغتها بمستوى الشهادة المتوسطة. بقي يلخص ب «سيد الذباب» على رغم كتابته روايات رفيعة أخرى خصوصاً «الورثة». منح جائزة بوكر في 1980 عن «طقوس البلوغ» ثم نوبل بعد ثلاثة أعوام، ومنحته الملكة لقب «فارس» فبات السير وليم غولدينغ. مع ذلك بقي كئيباً، بخيلاً، قليل الثقة بنفسه ومغروراً في آن. كتب في روايته الأشهر عن أطفال بريطانيين يجلون جواً خلال الحرب، ويجدون أنفسهم على جزيرة استوائية بعد سقوط الطائرة ومقتل الطاقم. يختارون رالف لتنظيم أمورهم فيكلف جاك قيادة فرقة الصيد الذي يروق لها ويوقظ غريزة العنف فيها. يهنأ الأطفال أولاً بحياتهم من دون راشدين، ويمضون أيامهم باللعب، لكن أحدهم يختفي في حريق ينشب عندما يهملون النار التي أشعلها رالف لتنبيه السفن الى وجودهم. يدفعهم الخوف الى الظن أن هناك وحشاً على الجزيرة، ويقتلون سايمون عندما يخرج من الغابة وسط الظلال لظنهم أنه الوحش. ينقلب جاك على رالف للاستئثار بالزعامة ويطارده مع الآخرين ليقتله. تتوقف سفينة بريطانية لتتحرى أمر النار، ويعجب أحد ضباطها من منظر الأطفال الدامي المتوحش. يبكي رالف وسائر الأطفال عندما يعودون الى طفولتهم مجدداً، ويستعيدون التغيير المخزي الذي حولهم وحوشاً. بعد الغياب تنتعش ذكرى رولد دال بعد عشرين عاماً على غيابه. قبل ثلاثة أيام افتتح مهرجان لندن للأفلام ب «مستر فوكس الرائع»، فيلم الرسوم المتحركة الذي يضم صوتي جورج كلوني وميريل ستريب. فرقة شكسبير الملكية المسرحية تعد اقتباساً ل «ماتيلد»، «تشارلي ومصنع الشوكولا» ستعرض في برودواي ولندن، ويخطط الكوميدي جون كليس لاقتباس «الحمقى» سينمائياً. انتقل الاحتفال بذكرى ميلاده في 13 أيلول من بريطانيا الى أميركا، وتمنح جائزة رولد دال الهزلية سنوياً لكتب الأطفال حتى سن الرابعة عشرة. يفوق مبيع أعمال الكاتب النروجي البريطاني اليوم ما كان عليه في حياته. حفلت رواياته بالقسوة وبغض البشر والمرح الخبيث، وقد تكون أكثر ملاءمة اليوم لحضارة بات السيئ فيها جيداً، والوعظ مرفوضاً بصراحة من دون حاجة الى الاعتذار. دعا دال الأهل الى الاعتراف بشعور أولادهم المختلط تجاههم، وترك أبطاله يبادلون قسوة الكبار بمثلها. في «مستر فوكس الرائع» يسرق الثعلب الدجاج وديوك الحبش ليلاً من مزارعين أثرياء لكي يطعم أسرته، وينجو مراراً من محاولتهم قتله. يحاصرونه على مدخل مخبأه فيحفر نفقاً يوصله الى أقفاص الدجاج في مزارع الرجال الثلاثة، ويقرر مع سائر الحيوانات الجائعة بناء مدينة تحت الأرض والإغارة على المزارع لكسب القوت. في «الساحرات» يكتشف تشارلي النروجي خلال عطلة في إنكلترا مع جدته أن الساحرات في الفندق الذي ينزلان فيه يتآمرن للتخلص من الأطفال. تحوله زعيمتهن فأراً عندما يواجهها لكنه يحبط خطتهن بمساعدة جدته. كان مصنعا كادبري وراونتري المعملين الوحيدين للحلوى في زمن دال، وتجسست إحداهما على الأخرى بدس جواسيس بين الموظفين. درجت الشركة الأولى على إرسال رزم الحلوى الى تلامذة المدارس وطلب آرائهم بمنتوجاتها، واستند دال الى سلوك الشركتين ليكتب «تشارلي ومصنع الشوكولا». يعلم بطلها تشارلي من جده ان مصنع ويلي وونكا للحلوى لا يزال يعمل مع أن أبوابه مقفلة. أرسلت الشركات المنافسة جواسيسها لاكتشاف وصفات منتوجاته فغضب وطرد الموظفين. ينظم مسابقة يربح الفائزون الخمسة فيها جولة في المصنع ومؤونة من الحلوى طوال الحياة، لكنه يعاقب الأطفال الشرهين والمدللين بالسقوط في نهر الشوكولا أو أنبوب الفضلات، أو تقلص الطفل أو تحوله عملاقاً رفيعاً كالشريط. يكتشف الأطفال وأهلهم أن وونكا أراد العثور على فتى طيب يرث المعمل، وأن الجولة انتهت بفوز تشارلي. بدأت «العملاق الكبير الودود» قصة رواها دال لأطفاله قبل النوم، وتناولت صوفي التي يعصاها النوم فيحملها عملاق الى منزله في بلاد العمالقة. تكتشف أنه يستطيع سماع أحلام الصغار وتخليصهم من كوابيسهم، لكن رفاقه يخالفونه الهوايات إذ انهم يخرجون كل ليلة ليسرقوا «الحبوب البشرية» خصوصاً الأطفال ويلتهمونها. يستوحي الكاتب قصة سندريلا في «جيمس وشجرة الدراق العملاقة» التي يذهب فيها الطفل مع والديه الى لندن حيث يزورون حديقة الحيوانات. يفترس وحيد القرن والديه فيضطر الى العيش مع عمتيه اللتين تسخرانه خادماً ينام على الأرض ويجوع ويتعرض للضرب بلا سبب.