أتابع هنا التعليق على الجزء الثالث والأخير من التقرير الثاني لهيئة حقوق الإنسان السعودية، الذي تناول وضع المرأة والطفل، إضافة إلى حرية التعبير ومكافحة الفساد والأوضاع المعيشية والخدمات الصحية والسجون، وأكرر هنا ما ذكرته سابقاً عن مدى تأثري بمستوى الطرح والشفافية وانتقاء المجالات الأكثر ارتباطاً بحقوق الإنسان لرصدها ومتابعتها، وأملي بأن يصبح هذا التقرير نواة للإصلاح وليس فقط كلاماً جميلاً يثبت دور الهيئة ولا يتبعه أي تحرك رسمي، التقرير أشاد بالتعيينات المبدئية التي حدثت لنساء سعوديات في بعض المناصب القيادية - على قلتها - وانتقد عدم تفعيل المساواة في فرص العمل، كما أقرها مجلس الشورى والاتفاقيات الدولية للمملكة، وتطرق التقرير إلى الخلل في ترجمة حقوق المرأة، كما نص التشريع من قبل المفسرين على أرض الواقع، ومن قبل بعض الأنظمة التي تنتقص من أهليتها، كنظام الولي المطلوب رسمياً للمرأة في معاملاتها المالية والتعليم والعمل وممارسة التجارة والتصويت في انتخابات المجالس البلدية والغرف التجارية وغيرها، وطالب بإصدار نظام خاص يكفل عدم التمييز بناء على الجنس، وفي خطوة جريئة تطرق التقرير إلى أهمية تحديد شرعية ومفهوم الاختلاط والحجاب الشرعي، ومواضع الحاجة إلى الولي وبالأخص في إصدار بطاقات الهوية وجوازات السفر، وهو ما يتخذه المشرعون هنا ذريعة لانتقاص حقوق النساء. أشار التقرير إلى تمييز نظام التقاعد المدني بين المرأة والرجل، وفي استحقاق ورثة المرأة لتقاعدها، وتطرق إلى شأن يهم آلاف السعوديات المتزوجات من أجانب، وهو التمييز في منح الجنسية لزوج وأبناء السعودية مقارنة بالمتزوجة من سعودي، وطالب صندوق التنمية العقارية بالنظر في قوانينه لمنح القروض للمرأة، التي حصرها بفئتين فقط، بينما منحها لأي رجل بالغ، وطالب التقرير الجهات المسؤولة بدعم إنشاء وتبني مراكز حماية المرأة من العنف المنزلي، وتفعيل دورها في المدارس والمستشفيات، وتطرق التقرير إلى الحقوق المنتقصة للطفل، وعلى الأخص تحت أنظمة الأسرة المعمول بها قانونياً، كحق التجنس، خصوصاً لأطفال الزوجة السعودية من زوج غير سعودي، وكذلك لأب سعودي وأم غير سعودية في حالة عدم موافقة الدولة المسبقة على الزواج، وكذلك في حالة سحب الجنسية من الأبناء أو الزوجة بسبب ارتكاب الأب السعودي لمخالفة ما، وطالب التقرير بمنح مجالات وفرص تعليم متساوية للطفل بغض النظر عن الجنس، كما طالب بتحديد سن ال 18 كسن عامة للأهلية القانونية، ليس فقط للعمل الحكومي بل للزواج والتعاملات القانونية في المحاكم. وتطرق التقرير إلى تجاوزات القضاء في تسليم ولاية الأطفال لمن لا ينفق، أو لمن يخل بتربية أبنائه ويعرضهم للأذى والعنف بلا عقوبة، واقترح التقرير تقنين الأحكام الشرعية الخاصة بالأسرة والأحداث، وعلى الأخص في إجراءات التحقيق واتخاذ عقوبات بديلة عن السجن كعلاج للانحراف السلوكي، وطالب التقرير بالالتفات إلى أوضاع الأطفال المعوقين وتمكينهم في المجتمع، ونوه بافتقار المملكة إلى مؤسسات التثقيف والترفيه للأطفال والشباب، وطالب الرئاسة العامة لرعاية الشباب بتفعيل دورها الغائب في هذا المجال، وانتقد عدم تفعيل رفع سقف الحريات والمشاركة، بالرغم من وضع مشروع إصلاحي قبل ثلاث سنوات بهذا الخصوص، ومن ذلك توقيف المدونين والصحافيين وبعض المواطنين والمواطنات، وحجب المواقع الالكترونية عند ممارسة حق الرأي في نقد مؤسسات الدولة والشأن العام، خصوصاً مع تضاعف مشكلات أداء الأجهزة الحكومية وعدم توفر فرصة للمواطنين سوى في الإعلام لطرح معاناتهم. وخلص التقرير إلى أن كلاً من ديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق لا يقومان بالمطلوب منهما في ظل القيود الموجودة على أدائهما حالياً، خصوصاً في الرقابة على أوجه صرف المال العام وتنفيذ المشاريع الحكومية واستغلال النفوذ، مما أدى إلى كثرة مظاهر الفساد المالي الموجودة، وبيّن التقرير أن ذلك نتيجة حتمية لضعف أنظمة الرقابة والمحاسبة العامة. وضعف تأهيل الموظفين الحكوميين في جهاتهم التي تهتم بالحضور والانصراف أكثر من الإنتاجية، وأبرز التقرير معاناة المواطنين نتيجة للتطورات الاقتصادية الأخيرة، وانهيار سوق الأسهم وارتفاع الأسعار، خصوصاً لأصحاب الدخل المحدود والمتقاعدين، وأشار التقرير إلى بطء مشروعات التنمية الاقتصادية الملحوظ، وإلى عدم توازن الخطط في مناطق المملكة المختلفة، مع ارتفاع نسب البطالة، خصوصاً للإناث، وعدم التوازن في توفير الخدمات كان مأخذاً أيضاً على وزارة الصحة، سواء في الخدمات المقدمة أو في تأهيل العاملين، إذ رصد واضعو التقرير عدم كفاية الخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج لمن لا يجد مكاناً بالمستشفيات الخاصة، وأشار التقرير إلى بطء مشاريع الوزارة، وإلى طول الاتصالات معها، التي تتسبب في وفاة المرضى أحياناً قبل تحويلهم إلى الجهات المختصة. المآخذ على قطاع التعليم كانت أيضاً بسبب التكدس وضعف مستوى الصيانة وبطء التطور في الاعتماد على البحث والتحليل، وطالب التقرير وزارة التعليم بتوفير حق التعلم للأطفال، حتى في حال عدم القدرة على توفير الأوراق الثبوتية بسبب الطلاق أو غيره، والتنسيق مع الإمارة المختصة في ذلك الشأن، كما انتقد التقرير تجاوزات معينة في السجون ومعاملة السجناء، وطالب الجهات المعنية ببعض الاقتراحات لتوعية العاملين في السجون ورعاية حقوق السجناء، وطالب أيضاً بالنظر في عقوبات بديلة عن السجن لبعض القضايا وتزويد القضاة بها... وبالرغم من أهمية الملاحظات التي رصدها تقرير الجمعية وحساسية القضايا المثارة خلاله في حياة كل مواطن بالمملكة، إلا أنها ليست جديدة تماماً لأي متابع للشأن المحلي. فهي القضايا نفسها التي تحدث عنها الإعلاميون والحقوقيون من قبل، وهي أيضاً الأمور التي رصدتها المنظمات الدولية في تقاريرها عن المملكة، والجديد الذي يقدمه هذا التقرير هو أنه مكتوب بداية بدعم ومباركة قيادة هذا الوطن وبواسطة أبنائه ليعكس معاناة مواطنيه وشكاويهم كما هي على أرض الواقع بلا أي محاباة أو تبرير للتقصير، وإن كان هذا الرصد هوكل ما قدمه التقرير في بدايات الجمعية الأولى فهو يكفي لنا كمتابعين ومواطنين لمنح الجمعية دعمنا وثقتنا في القائمين عليها، ومطالبتنا أيضاً مع القائمين عليها باستقلالها كجهة غير حكومية لضمان استمرارها على هذا النهج.