على مدى شهرين، سافر احسان مالكي في ارجاء ايران مع حقيبة ظهر تحتوي على كاميرات التصوير الخاصة به، وبضع قطع من الملابس وكومبيوتره الشخصي، ملتقطاً صوراً للمرشح الإصلاحي مير حسين موسوي خلال حملة الانتخابات الرئاسية.لم يكن مالكي يعلم أن حقيبته وكاميراته ستصبح قريباً ممتلكاته الوحيدة، أو أنه سيُضطر للخروج زحفاً من البلد مُختبئاً بين قطيع من الأغنام. مالكي (29 سنة) هو واحد من عشرات الصحافيين والمصوّرين والمدوّنين الذين فرّوا من إيران أو يحاولون الفرار، بعد الانتخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) الماضي. وأفادت منظمة «مراسلون بلا حدود» التي تتخذ من باريس مقراً لها، بأن عدد الصحافيين الذين غادروا ايران هو الأكبر منذ الثورة الإسلامية عام 1979. وتعكس موجة رحيل الصحافيين قلقهم حيال العقوبات التي واجهها كثير منهم، لإعدادهم تقارير عن القمع العنيف الذي مارسته الحكومة ضد الاحتجاجات. ومع اندلاع اشتباكات دامية في شوارع طهران، فرضت الحكومة قيوداً للحد من تدفق المعلومات إلى العالم الخارجي، كما حظّرت نشاط الصحافيين الأجانب، فيما أُمر المراسلون المحليون والمصوّرون بالبقاء في منازلهم. تحدى عدد من الصحافيين الإيرانيين تلك الأوامر، ونشروا معلومات عبر مقابلات هاتفية وعلى مواقع إلكترونية، ومن خلال صور أرسلوها إلى وكالات تصوير. ويقولون الآن انهم يدفعون الثمن. صحافيون كثر في طهران، بينهم مراسل مجلة «نيوزويك» مازيار بهاري وهو أيضاً مخرج مستقل، كانوا بين مئات من الإيرانيين الذين اعتُقلوا وسُجنوا. كما ان بعضهم مثل امام المحاكم التي تجريها الحكومة. وتقول زوجة أحد الصحافيين ويدعى أحمد زيد أبادي، انه تعرّض للتعذيب في السجن. اختبأ محررو بعض المدونات المعارضة، ممّن نشروا تقارير عن عمليات القتل والدفن الجماعي للمحتجين، وأماكن وجودهم غير واضحة، كما ان منازل بعض الصحافيين، مثل مالكي، تعرضت للنهب. قدّر محمود شمس الواعظين وهو صحافي مخضرم وخبير إعلامي في طهران، أن ألفي صحافي ايراني فقدوا وظائفهم أخيراً. وقال ان حوالى 400 منهم اتصلوا به لمنحهم رسائل مرجعية كي يتمكنوا من الحصول على عمل في الخارج. وأوضح ان «الصحافيين يغادرون أكثر من المجموعات الأخرى، لأن الحكومة أغلقت صحفاً وعمدت الى ترهيبهم وترويعهم». اتهمت الحكومة التي أغلقت ما لا يقل عن 6 صحف خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وسائل الإعلام بالكذب حول الاحتجاجات. واعتبر الرئيس محمود أحمدي نجاد الأسبوع الماضي وسائل الإعلام سلاحاً رئيسياً، و «أسوأ من الأسلحة النووية» بين أيدي الدول الغربية. كان مالكي يغطي تظاهرة في 20 حزيران الماضي، عندما طارده مع عشرات المتظاهرين عناصر من متطوعي «الحرس الثوري» (الباسيج). فرّ المتظاهرون الى مبنى سكني حيث أخفى مالكي الكاميرا داخل مدخنة، قبل اعتقاله. سُجن مالكي مع مئات آخرين ليوم واحد. ومن دون الكاميرا، فشلت السلطات في اكتشاف انه مصوّر، لكنها سجلت رقم هويته. لم يتوجه مالكي أبداً الى منزله. بعد أيام، ابلغه أحد جيرانه أن منزله نُهب وأن الكومبيوتر الخاص به ووثائقه الشخصية، بما في ذلك جواز سفره، صودرت. وقال مالكي انهم اكتشفوا أنه كان يرسل صوراً لوكالة «سيبا» الدولية للتصوير. وأضاف انه كان ينام كل ليلة في مكان مختلف، وواصل التقاط صور للاحتجاجات، لكنه قرر في النهاية أن بقاءه مخاطرة كبرى. دفع 150 دولاراً لمهرب اقتاده إلى منطقة قرب الحدود مع تركيا والعراق. وبرفقة دليل كردي، زحف بين قطيع كبير من الأغنام لمدة نصف ساعة، حتى عبرا الحدود الإيرانية. وهو يقيم في العراق الآن. لكن الصحافيين المغادرين ليسوا فقط من المتعاطفين مع المعارضة، اذ افاد موقع إلكتروني مؤيد لنجاد الأسبوع الماضي بأن صحافيَيْن في التلفزيون الحكومي فرا الى إيطاليا وبريطانيا. كما غادر ما لا يقل عن مصورَيْن عملا في وكالة «فارس» الحكومية. يروي رضا مقيمي (24 سنة) وهو مصوّر كان يعمل في «فارس»، تعاطفه مع المحتجين الذين «كانوا شباناً، مثلي تماماً. كان من المستحيل أن أكون غير مبال». وقال ان احدى صوره ظهرت على غلاف مجلة «تايم» الأميركية. لكن تهديد مدير «فارس» بأن الوكالة ستكشف مصورَيْن قال انهما «يلتقطان صوراً سراً ويرسلانها الى وسائل اعلام اجنبية»، دفع مقيمي الى السفر في اليوم التالي على أول طائرة إلى تركيا حيث طلب اللجوء.