واشنطن - «نشرة واشنطن» - أصابت تداعيات العولمة اقتصاد الولاياتالمتحدة، التي تحتل حكومتها الموقع الأول بين الحكومات المروجة لهذه الصيرورة على مختلف الصعد، من اقتصادية وسياسية وثقافية، فتقدمت شركات الخدمات والبيع بالتجزئة على شركات التصنيع التي وسمت الاقتصاد الأكبر في العالم منذ الحرب العالمية الثانية. ويتبين ذلك من مسح سنوي تنشره مجلة «فورتشن» الأميركية للشركات الأميركية صاحبة الأسماء المألوفة والمتمتعة بقدرة على الوصول إلى الأسواق الدولية والتي يعود تأسيس العديد منها إلى أوائل القرن العشرين: كانت تبرز شركات من مصاف «جنرال موتورز» و«فورد» للسيارات و«دوبون» للكيماويات و«إيستمان كوداك» للتصوير و«إكسون موبيل» للنفط. في عام 1991 احتلت الشركات الصناعية 31 مركزاً من المراكز ال 50 الأولى، وتبعتها 12 شركة للطاقة و7 شركات للمنتجات الاستهلاكية. اما ترتيب عام 2007 فيوثّق تداعيات العولمة، وهبوط قطاع السلع لمصلحة الخدمات، وارتفاع قطاع الرعاية الصحّية كحاجة رئيسة لسكان يتقدمون في العمر. فقد تراجع عدد الشركات الصناعية بين أكبر الشركات الصناعية الخمسين من 31 إلى 20 فقط، كما قلّصت عمليات الدمج عدد شركات الطاقة من 12 إلى ثمان، وحلّت محل شركات الصناعة والطاقة 10 شركات للبيع بالتجزئة، فيما ظهرت في القائمة ست شركات صناعية للمواد الصحّية وثلاث شركات تركّز اهتمامها على نقل الأطعمة والسلع والوثائق عبر البلاد، وهي «يونايتد بارسيل سرفيس» و«فيدكس» و«سيسكو»، أكبر شركة موزعة للمنتجات الغذائية، في حين تراجَعت مراكز شركات «كوداك» و«زيروكس» إلى مراكز أدنى بكثير في قائمة الشركات الخمسين الكبرى. وظهرت على قائمة مجلة «فورتشن» لأكبر الشركات الأميركية غير المالية متاجر «وول مارت» للتجزئة التي تجاوزت ايراداتها السنوية 351 بليون دولار، أي ما يوازي إيرادات شركة الطاقة الأميركية العملاقة «إكسون موبيل». وساهم التوسع الاقتصادي العالمي في إجراء تغيير عميق في قطاع الأعمال في الولاياتالمتحدة على مر العصور، شمل تحقيق ظروف عمل أفضل للعمال وتحسين نوعية المنتجات الأميركية. نموذج فرانكلين لروح المبادرة من جهة أخرى، يدأب رجال الأعمال الأميركيون على المخاطرة بمدخراتهم الخاصة لتأسيس شركات أعمال صغيرة، على رغم احتمالات الفشل التي يتوقعها النموذج الاقتصادي الأكاديمي المعروف باسم «نموذج شومبيتر»، وهو دأب يؤمل في ان يساعد الولاياتالمتحدة على تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية. وتفيد بيانات حكومية اميركية بأن في عام 2006 أُسست 650 ألف شركة جديدة يملكها أصحابها، في حين ان 565 ألف شركة تعرضت للإفلاس، من بين ستة ملايين شركة مثلها على مستوى البلاد. وتتكرر في كل سنة معدلات مماثلة من الولادات والوفيات بين شركات الأعمال الصغيرة، نظراً إلى السهولة النسبية في تأسيس الأعمال التجارية في البلاد. وأطلق روح المبادرة هذه أحد «الآباء المؤسسين» للولايات المتحدة، بنجامين فرانكلين، الذي كان رمزاً قوياً للطموح والمثابرة للأجيال اللاحقة من الأميركيين. كان فرانكلين الابن الخامس عشر لصانع صابون وشموع في بوسطن، وترك المدرسة باكراً ليعمل في مطبعة كان يملكها شقيقه، حيث تعلّم مهنة الطباعة والمحاسبة وأصبح الناشر والمخترع الأوسع شهرة في المستعمرات الأميركية، ثم قام بدوره الشهير في الكفاح من أجل استقلال البلاد. ومنذ زمن فرانكلين، دأب الأميركيون على تكريم المخترعين وأصحاب المشاريع التجارية الخاصة الناجحة كرموز بارزة، ابتداء من توماس إديسون مكتشف الكهرباء، وصولاً إلى بيل غايتس مؤسس شركة «مايكروسوفت» للبرمجيات وستيف جوبز صاحب شركة «آبل» للكومبيوتر. ويحاول الملايين من أصحاب المشاريع الخاصة تأسيس أنماطهم الخاصة بهم من النجاح. وتخضع مهن كالمحاماة والطب والمحاسبة إلى شروط ترخيص متشددة، لكن بالمقارنة مع اقتصادات غربية أخرى، تقدّم الولاياتالمتحدة طريقاً مفتوحاً أمام صاحب شركة الأعمال المحتمل، وهذا التفاوت يصبح هائلاً بالمقارنة مع بعض اقتصادات العالم الثالث. ووجدت دراسة أجراها هرناندو دو سوتو، وهو خبير اقتصادي من بيرو، ان فتح مشغل ملابس صغير يتطلب 289 يوماً في ليما، عاصمة بلاده. وأكد ان غياب طبقة من شركات الأعمال الصغيرة الناشطة في بلاده لا يعود سببه إلى عدم وجود رجال أعمال، بل بسبب العوائق والأنظمة البيروقراطية العازمة على المحافظة على الوضع القائم والحواجز الطبقية الصارمة والقوانين التي لا تشجع امتلاك العقارات، على خلاف ما هو سائد في الولاياتالمتحدة.