بدأ المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل جولة في المنطقة أمس من إسرائيل، قلل الناطق باسمه جوناثان برينس من نتائجها المتوقعة، مستبعداً أن تثمر إعلاناً باستئناف المفاوضات، فيما اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان البحث عن تسوية شاملة للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي «مجرد وهْم»، ودعا إلى «التعايش مع تسوية مرحلية» لا تشمل حل قضيتي القدس واللاجئين. أما العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني فحذر إسرائيل من مغبة «أن يعيد الجمود السياسي الشرق الأوسط إلى الفترة الحالكة». والتقى ميتشل أمس الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ووزيري الخارجية والدفاع أفيغدور ليبرمان وايهود باراك على أن يلتقي اليوم رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ثم يغادر إلى رام الله للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقبل لقائه بيريز، أكد ميتشل وجوب مواصلة العمل من أجل استئناف المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية في الفترة القريبة، على رغم كل الصعوبات والعوائق «لأنه لا بديل عن طريق السلام». وقال إن الرئيس باراك أوباما وإدارته ملتزمان تحقيق سلام شامل في الشرق الأوسط يقود إلى تطبيع كامل في العلاقات بين إسرائيل وجاراتها. من جهته قال بيريز إنه حان وقت إحراز التقدم في المفاوضات «إذ لا يوجد أي سبب حقيقي للمماطلة فيها، والمماطلة لن تحقق نتائج إنما مخاطر فقط». وزاد أن هناك «جهات معنية بقتل فرص السلام، لكن علينا أن نواصل في الطريق التي رسمها الرئيس اوباما». وكانت صحيفة «هآرتس» نقلت عن الناطق باسم ميتشل خفضه، خلال إيجاز قدمه لصحافيين إسرائيليين قبل بدء ميتشل اجتماعاته في القدس، سقف التوقعات من الجولة الحالية مستبعداً إعلان استئناف المفاوضات بداعي أن ثمة حاجة إلى جولات أخرى من المحادثات التي يجريها ميتشل. وقالت الصحيفة إن هذه التوقعات تتعارض وتوقعات أوساط إسرائيلية بأن إعلان استئناف المفاوضات ممكن تحقيقه. وأكد برينس أن المطلب الأميركي من إسرائيل في شأن وجوب تجميد البناء في المستوطنات «لا يزال على الطاولة»، مضيفاً أن موقف واشنطن من هذه المسألة لم يتغير وأن الإسرائيليين فهموا في شكل غير صحيح ما عناه الرئيس أوباما في قمة نيويورك الشهر الماضي حين تحدث عن وجوب «لجم» الاستيطان. ولفت إلى أن «الرئيس طالب إسرائيل بلجم الممارسات الاستيطانية على الأرض، لكن الوضع الذي ننشده هو وقف البناء في المستوطنات». وتابع أنه لو وافقت إسرائيل على تعليق البناء ولم تعلن بناء 450 وحدة سكنية جديدة، «لكنّا جندنا بسهولة أكبر الدول العربية لدفع مقابل ملائم». وقال إن محادثات ميتشل تتمحور في جسر الفوارق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في كل ما يتعلق بشروط بدء المفاوضات وطريقة إدارتها والجدول الزمني لإنهائها. وزاد أن الرسالة التي يحملها ميتشل في زيارته الحالية تقول لإسرائيل والفلسطينيين إن استئناف المفاوضات حول كل القضايا الجوهرية للصراع سيقود إلى خفض جدي في التوتر ويحول دون حصول مواجهات كالتي تحصل في المسجد الأقصى، «وعلى الطرفين استئناف المفاوضات من دون شروط مسبقة». وأضاف: «لا نتوقع اختراقاً خلال هذه الجولة، لكن ثمة شعوراً بأهمية تسريع التحرك ونحن عاقدو العزم على التقدم في المفاوضات... الرئيس يقل صبره ويتوقع من الطرفين التقدم». وكرر وزير الخارجية زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» المتطرف دعوته إلى «إزالة النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني من الأجندة الدولية وتبني مقاربة واقعية في المفاوضات مع الفلسطينيين تتمحور حول تحسين أوضاعهم الاقتصادية». وقال للإذاعة العامة أمس إنه «يمكن التوصل إلى تسوية مرحلية طويلة الأمد تبقي القضايا الجوهرية، بضمنها القدس واللاجئين، لمرحلة متأخرة». وأضاف أن فرص التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين إسرائيل والفلسطينيين في السنوات المقبلة معدومة تقريباً، «وفي الواقع القائم الآن هذا (اقتراح التسوية المرحلية) هو الحد الأقصى الذي يمكن التوصل إليه ويجب إقناع الولاياتالمتحدة والعالم بذلك، ما من شأنه أن يساعد في محورة العلاقات الخارجية الإسرائيلية في قضايا أخرى مع سائر العالم». وتابع أنه منذ اتفاقات أوسلو في عام 1993، بُذلت جهود هائلة للتوصل إلى تسوية دائمة لكنها فشلت جميعها ولم يتم التوصل إلى اتفاق يضع حداً للنزاع، «وكما يبدو لا يمكن التوصل إلى هذا الحل، ومن يدعي أن الأمر ممكن في السنوات الوشيكة فإنه لا يفهم الواقع السائد في المنطقة إنما يبث أوهاماً وتوقعات تؤدي في نهاية المطاف إلى خيبات وتجر إلى مواجهات بين الجانبين». وزاد أن «هناك نزاعات كثيرة في العالم لم يتم التوصل إلى حلها الشامل حتى اليوم، كما في قبرص وجزر فوكلاند وغيرهما، ومع ذلك هناك تعايش بين الشعوب المتنازعة التي قررت التخلي عن العنف والإرهاب والتحريض وفقط بعد فترة استقرار يمكن التوصل إلى تسوية شاملة». وأكد أنه سيبلغ ميتشل بأن القضايا المعقدة مثل اللاجئين وحق العودة والاعتراف بيهودية إسرائيل لا يمكن التوصل إلى حل شامل حولها «ويجب الاجتهاد من أجل التعايش مع هذه القضايا ولذا يجب العمل على التوصل إلى تسوية مرحلية... ولا يمكن فرض السلام، ويجب أولاً التوصل إلى الأمن ثم الازدهار الاقتصادي (الفلسطيني) ثم الاستقرار، وبعدها فقط التسوية. وتجربة الماضي أثبتت أن محاولة التوصل إلى سلام قبل أن يسود الاستقرار والأمن فشلت... حتى اليوم قمنا بخطوات عكسية لم تحقق شيئاً». وكان ليبرمان وضع رؤيته هذه في ورقة عمل خاصة وزعها على موظفي وزارة الخارجية لتكون بمثابة السياسة التي يجب أن تعتمدها إسرائيل، كما كرر القول انه لا يجب على إسرائيل ان تعتمد في علاقاتها على الولاياتالمتحدة وحدها «على رغم أهميتها الخاصة»، إنما يجب توسيعها مع سائر دول العالم التي يمكن أن تساعد إسرائيل في معاركها الدولية في الأممالمتحدة. وقال إن «الاتكال الكامل على الولاياتالمتحدة ليس صحياً للجانبين بل يراكم صعوبات على الولاياتالمتحدة.» وزاد انه «يتحتم على إسرائيل أن تقيم تحالفات مع دول أخرى على أساس مصالح مشتركة وهكذا يتعزز ويتسع دائرة الدعم في إسرائيل ما سيسهل على الولاياتالمتحدة». من جانبه، قال العاهل الأردني إن «القدس أشبه ببرميل بارود يمكن أن يؤدي إلى اشتعال في العالم الإسلامي كله». وأضاف أن استمرار الجمود السياسي «من شأنه أن يعيدنا إلى الفترات الحالكة». وتابع في حديث خص به صحيفة «هآرتس» لمناسبة مرور 15 عاماً على التوقيع على اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل، أنه أوضح لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو كما لأسلافه أهمية قدسية القدس وحساسيتها «وأهمية فهم الحاجة إلى الامتناع عن أي نشاط استيطاني وأحادي الجانب في المدينة». وأضاف أنه حذر نتانياهو من أنه من شأن محاولة تغيير الواقع في القدس أن تزعزع العلاقات مع الأردن التي تتمتع بحسب اتفاق السلام بمكانة خاصة في القدس، والمساس بجهود لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. ولفت إلى أنه توجه إلى الإدارة الأميركية لتطالب إسرائيل بالامتناع عن خطوات متعمدة لتعميق الوجود اليهودي في البلدة القديمة وفي «الحوض المقدس». ووجه الملك رسالة إلى الإسرائيليين قال فيها أنه يتحتم عليهم «أن يصحوا من وهم إدامة الوضع القائم لأن الجمود في العملية السياسية سيجرفنا إلى الظلمة».