قرر شاب، ومن دون سابق تصميم، أن يربّي شيئاً لم يخطر في بال البشر تدجينه من قبل. كانوا يهابونه ولا يزالون يخافونه كثيراً. ذات يوم، التفت الشاب إلى الموقد الوحيد في المدينة، لأن المدن لم يعد فيها مواقد إلاّ هذا. وأمست تتدفأ على قضبان حديدية حامية أو بالهواء الساخن. واختفت المواقد إلاّ هذا الذي حافظ عليه الشاب وصانه. موقد صغير، يوضع فيه فحم، يدفئ الجالس قربه. ويلهيه من البرد برقصات اللهب على طقطقات الخشب. جميل صوتها في البرد. جميل تمايل اللهب. آه، نعم نعم، هناك مواقد في بيوت الأثرياء، ولكنّهم لا يشعلونها إلاّ للاحتفال بعزلتهم، فيتسلّون بحرق الحطب والحملقة في النار. منظر النار يؤنسهم. كانت النار في موقد الشاب تخفت رويداً رويداً، إلا من شعلة كانت لا تزال تتراقص. فتح الشاب عيناً ناعسة فرآها تقفز على الأرض أمامه. خاف، مثلما يخاف البشر من النار، وهرع يستعين بالمطفأة، حين قالت له الشعلة معاتِبة: "ولَوْ! تقضي على صديقتك الوحيدة في الأمسيات؟" خاف الشاب أكثر مما يخاف البشر من النار، ولكنه وضع المطفأة جانباً ودنا بذهول من الشعلة الصغيرة. قالت له: "أشعر بالملل، خذني إلى رحاب المدينة. وأعدك بأن لا اقتات البيوت والشجر. قررتُ أن أظل صغيرة". فتح الباب، خلع عليه سترته، وخرج يتنزّه في الحديقة المجاورة. والشعلة تدور حول قدميه، تروح وتجيء، مثلما يفعل الكلب الأليف. صُعق المتنزّهون لرؤية شعلة تداعب قدمي الشاب. وراحوا يصرخون وينبّهونه إلى أن حذاءه يشتعل. منهم من طلب فوج الإطفاء ومنهم من حمل الدلاء. راح الشاب يركض والشعلة تركض أمامه والناس يركضون خلفهما، حتى انقطعت أنفاسهم جميعاً. من فزعها، تسلّقت الشعلة شجرة سنديان، فأحرقتها. كبرت الشعلة كثيراً، ولم تعد تستطيع العودة إلى بيت صديقها. فاعتذرت منه لأنها نكثت بوعدها. * الصورة لكريس أوميرا من وكالة أسوشيتد برس، التقطها في سانت بيترسبرغ بفلوريدا. ___________ لإرسال صورة وتعليق [email protected]