يمكن القول إن جريدة «النهار» اللبنانية تمثل في ملكيتها اليوم «ارخبيلاً» يتجاوز، معنوياً، في حجمه وتنوعه واختلافه الأرخبيل الأندونيسي، فهي صارت مملوكة من مجموعة ينطبق عليها المثل المصري، «ايش جمع الشامي على المغربي»، واصبح من يقود «النهار» بحاجة الى عصا موسى لحماية الصحافيين، وارضاء المالكين وانجاح الجريدة في آن، تماماً كحال من يقود السياسة في لبنان. لا شك في ان «النهار» تشبه علم لبنان الذي نعرفه ونحبه. وهي تجاوزت كونها جريدة لتصبح حالة وطنية ومهنية فريدة، صارت أهم من كل الأحزاب. حزب الذين لا حزب لهم. كانت رمزاً للحرية واختلاف الرأي والثقافة اللبنانية العربية المتعددة، وخاضت معارك وجودية وسياسية وفكرية شجاعة، فضلاً عن انها خرجت عشرات النجوم في الصحافة العربية، وتميزت بأسلوب مهني رفيع ومحترف وصارم، أصبح يدرّس ويقلّد. وكنت حين أتحدث عن أسلوب جريدة «الحياة» لطلاب الصحافة، أقول لهم ميزة جريدة «الحياة» انها جمعت بين جمال وبلاغة وصرامة النص وبرجوازيته اللغوية عند «النهار»، وشعبيته وملحه عند «السفير»، ولهذا شكلت «الحياة» حالة جديدة في الصحافة العربية، فضلاً عن ان توجهها الدولي جعل منها جريدة «غير شكل». الأكيد ان «النهار» عانت من اغتيال وترويع رجالها، ولهذا لم تعد كما كانت. خسرت معظم مواقفها، وتواضعت مهنياً. صارت، رغماً عنها، أسيرة للحالة اللبنانية الراهنة. أزمتها المهنية بدأت مع وصول الراحل جبران تويني، الذي اتخذ قراراً بإبعاد رئيس تحريرها السابق انسي الحاج، وهو ابن لويس الحاج، رئيس التحرير التاريخي ل «النهار»، لكن جبران اغتيل، وغسان تويني لم يعد قادراً على متابعة أحوال الجريدة الرمز، وان استمر، أمير الصحافة العربية، في حماية ما تبقى من صورتها العظيمة، ولهذا تمكنت قوى «الأرخبيل» من التدخل، وأضحى كلّ يوظف على مزاجه، فجاءت «النهار» بشركة استشارية لمعالجة أزمتها السياسية، لكن الشركة لم تميز بين جورج ناصيف، الذي يحرر صفحة الأديان والمذاهب ويكتب السياسة بأفق جميل ومنفتح، وبين موظف جاء بالواسطة، فاختلط عندها الحابل بالنابل، وضاعفت استشارتها أزمة «النهار»، وأضعفت من دورها في التفريق بين الظلمة والنور، وكرست عجزها في تحقيق قَسَمها العظيم، بعودة لبنان الى التعددية والانفتاح والتسامح. استسلمت أم الصحف لثقافة الطوائف. خسرت تألقها، وسرها العظيم، ونهارها المشرق. بقي ان اقول: ما نفع نايله تويني ابنة جبران تويني وحفيدة غسان، ان ربحت مقعداً نيابياً وخسرت الصحافيين و «النهار».