توالت ردود الفعل المنددة بقرار تأجيل النظر في تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة برئاسة القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون. وصدرت تصريحات وبيانات وعُقدت مؤتمرات صحافية غاضبة ومستنكرة القرار، واتهمت السلطة الفلسطينية بالوقوف وراءه، إلا أن الأخيرة كانت نفت ادعاءات أطراف بأنها تعرضت الى ضغوط أميركية أرغمتها على سحب القرار. وفي المقابل، دعت اللجنة المركزية لحركة «فتح» في بيان الى اقرار التقرير في الدورة القادمة لمجلس حقوق الانسان التي ستعقد اجتماعاتها في آذار (مارس) المقبل. واعتبرت الحكومة المقالة «طلب السلطة» تأجيل تقرير غولدستون وتجاهله «جريمة خطيرة في حق شعبنا». وقال الناطق باسم الحكومة المقالة طاهر النونو خلال مؤتمر صحافي في مدينة غزة إن سحب القرار «يؤكد ما قاله (وزير الخارجية الاسرائيلي أفيغدور) ليبرمان من أن قادة السلطة ألحوا وشددوا على عدم وقف العدوان على غزة إبان الحرب». ودعا النونو باكستان ومنظمة المؤتمر الاسلامي والدول العربية قاطبة الى «العمل في شكل عاجل لتبني التقرير ورفعه الى مجلس الامن»، معلناً «استعداد الحكومة المقالة للتعاون الكامل مع مقتضيات هذا الامر من تشكيل لجان مختصة». وحذر من أن «عدم تبني التقرير يعني ايذاناً للاحتلال للقيام بحرب عدوانية جديدة على القطاع». من جهتها، وصفت منظمات حقوقية فلسطينية الخطوة بأنها «إهانة للضحايا وتنازل عن حقوقهم». وأفادت المؤسسات خلال مؤتمر صحافي عقدته أمام مجمع الوزارات المدمر غرب مدينة غزة أمس أن «هذا التأجيل ينكر حق الشعب الفلسطيني في إنصاف قضائي فاعل، والمساواة أمام القانون، ويشكل تغليباً للسياسة على حقوق الإنسان، وإهانة للضحايا وتنازلاً عن حقوقهم». وتلا مدير مركز الميزان لحقوق الانسان عصام يونس بياناً وقعت عليه 15 مؤسسة من الضفة الغربية وقطاع غزة جاء فيه أن «التبريرات التي قدمتها القيادة الفلسطينية في ما يتعلق بقرار تأجيل التصويت غير ملائمة. إن الادعاء بعدم توفر الإجماع لمصلحة القرار لا يمكن قبوله في أي حال من الأحوال، إذ أن الإجماع ليس مطلوباً لصدور القرار عن مجلس حقوق الإنسان، حيث تعمل مؤسسات الأممالمتحدة وفق مبدأ الغالبية». ورأى البيان أن «الاعتقاد بأن المساءلة وسيادة القانون يمكن تنحيتهما جانباً في المساعي نحو تحقيق سلام هو أمر مضلل، فقد علمنا التاريخ مرة تلو الأخرى بأن السلام الدائم يمكن فقط أن يقوم على أسس حقوق الإنسان، والعدالة، وسيادة القانون، وعلى مدار سنوات طويلة في فلسطين، تمت التضحية بالقانون الدولي وسيادة القانون باسم السياسة، وتمت تنحيتهما لمصلحة عملية السلام، وتمت تجربة هذا المبدأ، إلا أنه فشل، إذ تعزز الاحتلال، واستمر توسيع المستوطنات غير القانونية، وأنكر الحق في تقرير المصير، ويعاني المدنيون الأبرياء من العواقب الوخيمة. حان الوقت للسعي نحو تحقيق العدالة، وسلام مبني على أساس حقوق الإنسان، والكرامة، وسيادة القانون. وكما قال القاضي غولدستون: لا سلام من دون العدالة». الى ذلك، اعتصم عشرات من أهالي ضحايا الحرب الأخيرة على غزة في حي السلام شرق مخيم جباليا للاجئين احتجاجاً على طلب تأجيل النظر في تقرير غولدستون. وشارك في الاعتصام عائلات السموني وبعلوشة وصبح والسيلاوي وريان وعبد ربه التي فقدت عشرات من أبنائها في الحرب، وكذلك جرحى مبتوري الأطراف، وأصحاب منازل مدمرة وأراضي مجرفة. وقال أهالي الضحايا خلال مؤتمر صحافي في أعقاب الاعتصام إنهم يتطلعون ليروا قادة اسرائيل «يحاكمون على الجرائم التي ارتكبوها امام المحاكم الدولية». واعتبروا أن «تأجيل البت في تقرير غولدستون ليس من مصلحة الشعب الفلسطيني». واستنكر أهالي الضحايا قيام السلطة «بتأجيل بحث لجنة حقوق الإنسان لتقرير غولدستون، ووصفوا القرار بأنه «ضربة قاسية لأهالي الشهداء والجرحى ولآلاف الأسر المشردة التي لا تجد مأوى لها». وانتقدت «الجبهة الديموقراطية» طلب تأجيل التصويت حول تقرير غولدستون، ووصفت ذلك بأنه «مخجل وغير مسؤول ويقدم خدمة مجانية للسياسة العدوانية لحكومة الاحتلال ويشجعها على ارتكاب مزيد من الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، والتحضير لعدوان جديد يمكن أن يطاول بآثاره المدمرة كلاً من لبنان وقطاع غزة». ورأى القيادي في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» حسين الجمل أن طلب السلطة «يؤكد وجود مفاوضات سرية وراء الكواليس». واعتبر أن «موقف السلطة يدعو للريبة والشك، وستكون له تداعيات خطيرة على مستقبل العلاقة بين السلطة وفصائل العمل الوطني والإسلامي، وربما يؤثر على مستقبل الحوار الوطني الفلسطيني الشامل الذي يتوقع عقده الشهر الجاري». كما أعربت «المبادرة الوطنية الفلسطينية» عن «استهجانها ورفضها» تأجيل للتصويت على التقرير «على رغم توفر ضمانات كاملة بوجود أغلبية داخل مجلس حقوق الإنسان لإقرار هذا التقرير غير المسبوق الذي يثبت ارتكاب اسرائيل جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني». بدورها، أعربت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية عن «صدمتها واستنكارها لموقف السلطة الفلسطينية بطلب تأجيل تصويت مجلس حقوق الإنسان في جنيف على تقرير غولدستون». واعتبرت الشبكة أن «طلب السلطة الوطنية بالتأجيل يقدم خدمة مجانية لمجرمي الحرب الإسرائيليين ويساعدهم في محاولاتهم الإفلات من تبعات جرائمهم، لا سيما في ظل عدوان إسرائيل المتكرر وتصعيد سياستها الاستيطانية والتوسعية في القدس وبقية الأراضي الفلسطينية». وفي هذا السياق، أعربت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية عن أسفها الشديد لتأجيل مجلس حقوق الإنسان النظر في تقرير لجنة تقصٍ لحقائق حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون، وبالتالي وقف التصديق على هذا التقرير وتوصياته المهمة. وأكدت الأمانة العامة للجامعة، في بيان صدر أمس أن ما تعرض له الشعب الفلسطيني أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يتطلب موقفاً من مؤسسات حقوق الإنسان والأذرع الرئيسية للأمم المتحدة المتخصصة بحفظ الأمن والسلم الدوليين طالما أن الهدف هو إحقاق العدالة وضمان عدم إفلات من ارتكب جرائم حرب من العقاب.