أقر قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال أمس بأن بلاده تواجه خطر الهزيمة على يد متمردي حركة «طالبان»، مطالباً بالإسراع في اتخاذ قرار يتعلق بالاستراتيجية التي تريد واشنطن أن تنتهجها هناك، قائلاً «إن الوقت ليس لمصلحتنا».تحدث الجنرال ماكريستال الذي يقود أيضاً كافة القوات الأجنبية في أفغانستان («آيساف»)، في كلمة أمام المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، أمس، عن الصعوبات التي تعترض مهمته في التصدي لتمرد «طالبان». وطرح سبعة أسئلة قائلاً إن الإجابة عنها تساعد في فهم حقيقة الأوضاع في أفغانستان وإمكانات النجاح أو الفشل. بدأ ماكريستال بالإقرار ان الأوضاع في أفغانستان «بالغة التعقيد»، وان «ليس سهلاً على أي طرف أن يقول إن هذه السياسة هي التي ستؤدي إلى النجاح». وقال إن ما يمكن أن يعتبره شخص ما أمراً مساعداً قد يأتي بنتيجة معاكسة تماماً لما كان يأمل. فحفر بئر، كما قال، قد يكون هدفاً نبيلاً يهدف إلى مساعدة أهالي منطقة نائية في الحصول على الماء «لكن موقع حفر البئر قد يؤدي إلى تغيير موازين القوى في القرية إذا حُفرت البئر مثلاً في أرض تملكها عائلة متنافسة مع عائلة أخرى، ويمكن بالتالي أن يتم النظر إلى الجهة التي تحفر البئر على أنها تأخذ طرفاً ضد طرف آخر في المنطقة ذاتها». ثم أعطى مثالاً آخر على شدة تعقيد الوضع في أفغانستان، فقال «إن القوات الأميركية قد تتلقى معلومات استخباراتية عن مجموعة من عشرة متمردين ينشطون في منطقة ما، فتشن غارة عليهم وتقتل اثنين ويفر الباقون. المشكلة تنشأ عند تحليل نتيجة هذا العمل. فإذا قيل: كم بقي من المجموعة؟ قد يكون الجواب بقي ثمانية، لكن هذا ليس بالضرورة صحيحاً. فقد يُقرر ستة من المجموعة ترك التمرد بعد مشاهدتهم ما حل بالقتيلين، فيبقى اثنان فقط، وقد تصبح المجموعة 20 مقاتلاً بعد أن ينضم إليها أخوة القتيلين وأقاربهم». وخلص إلى أن «الدرس الذي يجب تعلّمه هنا هو التواضع» قبل الجزم بأن سياسة معيّنة هي التي ستنجح في أفغانستان. وقال إن ليس كل ما يُقال عن أفغانستان صحيح و «لو كان يُعتبر من المسلّمات». وأوضح أن ليس صحيحاً، مثلاً، القول إن أفغانستان لم تشهد أبداً قيام دولة مركزية قوية، كما أن ليس صحيحاً القول إن الأفغان لا يعتبرون أنفسهم «افغاناً» بل منتمين إلى عرقيات مختلفة من بشتون وطاجيك وأوزبك وهزارة وغيرها من العرقيات. وتابع ان الكلام عن أن أفغانستان مجتمع قبلي صحيح لكنه بالغ التعقيد، إذ إن مركز الملا أو أعيان القبائل لم يعد كما كان في السابق، وأن ما ينطبق الآن على إقليم لا ينطبق على آخر وربما لا ينطبق على منطقة واحدة لا يفصل بينها سوى واد. ولفت هنا إلى أن هذا الاختلاف في التركيبة الأفغانية ينعكس اختلافاً في نوعية التمرد الذي «ليس جسماً واحداً بل هو كناية عن ثلاثة تمردات مختلفة»، في إشارة إلى أن التمرد البشتوني يقوده ثلاثة أطراف هي قيادة حركة «طالبان» ممثلة بالملا عمر وهي القيادة المعروفة ب «شورى كويتا»، المدينة الباكستانية التي يُزعم أن زعيم «طالبان» يختبئ فيها. أما الطرف الثاني فهو تمرد «طالبان» ممثلاً بما يُعرف ب «شبكة حقاني». أما الطرف الثالث فهو تمرد قلب الدين حكمتيار زعيم «الحزب الإسلامي». وفي حين ينشط متمردو «شورى كويتا» في جنوبأفغانستان، فإن متمردي حقاني وحكمتيار ينشطون في الشرق. وقال إن «شورى كويتا» هي أخطر فروع التمرد. وقال إن الوضع في أفغانستان حالياً «خطير جداً» و «تقويمي هو أن الأوضاع تتدهور». وقال إنه ليس مستعداً أن يُعطي تقويماً أفضل إذا كان مغايراً للوضع على الأرض حقاً، ولو كان الهدف منه رفع المعنويات لأن ذلك سينكشف ويفقد صدقيته بالتالي. وقال: «التمرد يتسع ... وعامل الوقت مهم، والانتظار لا يأتي بنتيجة» تعيد عقارب تمرد «طالبان» إلى الوراء. وشرح ذلك قائلاً إن «الفوز لن يبقى متاحاً» إذا لم يتم اتخاذ القرارات المناسبة بسرعة. لكنه رفض الكشف ما إذا كانت فترة ثلاثة شهور هي الفترة التي يعتبر أنه بعد انقضائها لن يعود في الإمكان الانتصار في أفغانستان. وقال «إننا نحتاج إلى عزيمة وإلى وقت، وهذا ليس إلى جانبنا». وقال: «من يربح؟ كل طرف يقول إنه هو من يربح، لكن المهم هو من يعتبره المواطن الأفغاني الطرف الذي يربح». وقال إن «القرويين يقفون مع الطرف الذي يستطيع أن يحميهم ويعتبرون أنه هو من ينتصر، وإذا لم نستطع أن نحميهم فلن يؤيدوا الحكومة (الأفغانية)». وتابع: «لن أقول إننا نربح سوى بعد الحصول على إحصاءات تؤكد ذلك على الأرض». وعن سبب عدم تحسن الأوضاع على رغم مرور ثماني سنوات على بدء الحرب، قال: «جهود كثيرة بُذلت لكن الأوضاع تتدهور. أحد أسباب ذلك هو أن التمرد يتمدد. المواطنون كانت لديهم آمال كبيرة لم تتحقق على مدى السنوات الماضية. لقد استغرقنا وقتاً طويلاً قبل أن نرى أن تمرد طالبان حقيقي وقوي». ثم سأل: «هل ما زال يمكننا النجاح؟». وأجاب: «نعم يمكننا النجاح ... لكن ذلك يتطلب إشعار المواطن الأفغاني بأن وجود القوات الغربية في بلده هو لمساعدته في بناء دولته القوية». وأقر بأن القوات الغربية تفتقد إلى العديد الكافي للانتشار في كل أفغانستان لتطمين المدنيين، معتبراً أنه بدل ذلك يجب التركيز على مناطق معينة والانتشار فيها لحماية سكانها. وقال إن ما جاء بالأميركيين إلى أفغانستان هو أن «القاعدة» خططت منها لهجمات 11 ايلول (سبتمبر) و «ما زال هذا هو الوضع اليوم». وقال إن الشعب الأفغاني أيضاً يستحق مساعدته كي يبني دولته.