استعادت أسواق بيروت القديمة نبضها، لتضيف فسحة جديدة إلى وسط العاصمة اللبنانية التجاري تستقطب زواره المقيمين وسياحه للتسوّق والترفيه والتسلية. وارتدت هذه الأسواق، التي تبدأ في استقبال الزوار اليوم، حلّة غلب عليها الفن المعماري الحديث، وبقي من طابعها القديم أسماء أسواق مثل سوق الطويلة وسوق أياس وسوق الصاغة، مع الموقع ذاته لبركة العنتبلي بحجر رخام أبيض. استغرقت إعادة بناء الأسواق، التي نفذتها شركة «سوليدير» ونظمت أمس جولة إعلامية لاستطلاعها، خمس سنوات تقريباً، وما أُنجز يمثّل الجزء الجنوبي منها حتى ساحة العجمي التي تحتضن ثلاثة مطاعم ومقاهي من أصل 17 تضمها الأسواق، على أن يكتمل نهائياً وعلى مرحلتين في السنوات الثلاث المقبلة، بعد إنجاز الجزء الشمالي الذي يضم مجمع صالات السينما (14 صالة) ومبنى المخازن الكبرى، وتبدأ الأشغال في هذين الموقعين خلال الشهرين المقبلين. حملت واجهات المحال التجارية، التي افتتح بعضها نشاطه وأخرى تنطلق نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، أسماء تجارية لماركات عالمية معروفة من المستهلك اللبناني وأخرى جديدة. وأعلن المدير العام لشركة «سوليدير» منير الدويدي، في تصريح إلى «الحياة»، أن «الكلفة التقديرية الأولية لهذا المشروع في كل مراحله، تصل إلى 300 مليون دولار». وأكد أن هذه الأسواق «تعزّز الحركة التجارية في وسط بيروت وتؤمن فرص عمل جديدة للبنانيين في القطاعات التجارية والترفيهية، فضلاً عن استقطابها السياح». وأوضح أن «سوليدير» تعتمد «سياسة تأجيرية في هذه الأسواق وليس بيع المساحات، حفاظاً على موجودات الشركة وحقوق المساهمين في أنصبة الأرباح». ولفت إلى أن «كلفة إيجار المتر المربع تتراوح بين 700 دولار و1500، ويبلغ متوسط السعر ألفاً». وأشار إلى أن «القسم الأكبر من المساحات بات مؤجراً». وحرصت «سوليدير» في خطة إعادة إعمار هذه الأسواق، المغطاة في أجزاء منها في شكل دائم وتُكشف عند الضرورة في أجزاء أخرى بوسائل حديثة، على إبراز الحضارات المتنوعة المتوالية على الموقع، منذ العهد الفينيقي وصولاً إلى الانتداب الفرنسي. وتشمل المعالم الأثرية المكتشفة في الأسواق قيد الترميم، الحي التجاري القديم الذي يعود إلى العهد الفينيقي الفارسي، والحائط العائد إلى القرون الوسطى، والمدرسة القرآنية في عهد المماليك والمعروفة بزاوية إبن عراق الدمشقي إضافة إلى لوحات الفسيفساء البيزنطية. ولفتت «سوليدير» في بيان إلى مشاركة مهندسين معماريين لبنانيين مع مهندسين معماريين دوليين من حملة جوائز عالمية، في ميدان التصميم المعماري كالإسباني رفايل مونيو مع سمير خيرالله وشركاه، والبريطاني كافن داش مع رفيق خوري، والفرنسي فالود ويبستر مع أنابيل قصار في التصميم والتنفيذ. أما مسؤولية التنسيق والتوحيد بين كل هذه التصاميم، فكُلّف بها الخبير الفرنسي أوليفيه فيدال الذي ألحقت به أيضاً مسؤولية تصميم المساحات العامة والخضراء من ضمن هذا المشروع. وزُيّن بعض الساحات العامة بقطع فنية مميزة من منحوتات وغيرها لفنانين عالميين». وأعلنت «استعمال مواد بناء من نوعيات جيدة، بهدف إضافة قيمة معمارية على المشروع ليتميز عن أي مركز تجاري آخر في المنطقة فاستعملت مواد بناء من نوعيات تمتاز بالجودة وتحافظ لسنوات عديدة على رونق الأسواق كالحجر الرخامي الإسباني الذي ركّب بدقة متناهية لتغطية الجدران مع حجر البازلت الأسود على الأرض في ممرات الأسواق، بينما أحيطت واجهات المحلات بالبرونز الجميل والمتين والذي يذكر بالعصر البرونزي الإسم الآخر للحقبة الكنعانية. أما بالنسبة إلى سوق الصاغة فاستعمل حجر الرخام الفرنسي للجدران مع الغرانيت على الأرض، وخشب الأرز المستورد من الخارج للنوافذ والزخرفة. تضمّ المنطقة الجنوبية من الأسواق 200 محل تجاري، وعدداً من المحال في سوق الصاغة 49 و151 من المحال التجارية الأخرى. وتبلغ المساحة المبنية الإجمالية القابلة للتأجير 71.9 ألف متر مربع، والمساحات المبنية الإجمالية 150 ألف متر مربع، والمساحات المخصصة للمشاة في المنطقة الجنوبية عشرة آلاف متر مربع. وتحت أرض الأسواق أربعة طوابق من المواقف تتسع ل 2900 سيارة.