غريبة الأمور التي تستطيع مدينة أن تبتلعها من دون أن تصاب بعسر هضم. مدينة كبيروت... امتصّت زلازلَ، سبعة منها، وجيوشاً من التاريخ والحاضر... وجيوشاً من المستقبل. غبّت من الإسمنت كميات مهولة، ومن السيارات ما يقوى نفثها على اجتراح ثقب جديد في طبقة الأوزون، وإصابة الكون بألم في صدره. ابتلعت بيروت حروباً داخلية وخارجية ودسائس ومؤامرات... والحياة والموت. رشفت ضحكات ودموعاً... ومقيمين ومهاجرين... وقضايا. ازدردت أطفالاً وأصدقاءهم وحدائقهم وسياراتهم الصغيرة، و"رانجات" أهاليهم والسيّاح العرب، ودراجات السياح الأجانب الهوائية. بيروت أشبه بثقب أسود يتربّص بالكواكب والأفلاك السابحة في الفضاء. من هذا الثقب الأسود، ومن ظلامه الدامس، أطلّت راوية مبتسمة، تحمل في يدها إناء مزيّناً. لعلّها نفخت فيه فأصدر أنغاماً أو إيقاعاً، أم تمتم كلمات. الراوية قدمت من أفريقيا ووصلت إلى بيروت لتروي لنا قصصاً عن بلادها، أكيد... هكذا بالمجان، لتؤنسنا. من يدري ما هي الحكايات أو الأنغام التي... روتها؟ تُرى هل تفوقت في مضمونها على أحزان بيروت أم على أفراحها؟ أم أن بيروت ما زالت يافعة في المآسي... والدرب أمامها طويل، قبل أن تقترب من آلام أفريقيا النازفة. الذي حضر العرض يعرف. * في الصورة ممثلة أفريقية أتت إلى لبنان حاملة جرة، قد تكون آلة موسيقية، لتحكي حكايات بلادها، ضمن نشاطات ثقافية تواكب "دورة الألعاب الفرنكوفونية السادسة" التي تجري في بيروت، بين 27 إيلول (سبتمبر) و6 تشرين الأول (اكتوبر) 2009. ___________ لإرسال صورة وتعليق: [email protected]