هي من أهل هذه الأرض، مبدعة سعودية جديدة، حضرت بِصَوت الوَطَنْ في يوم الوطن، مبدعة قادمة بطموح مختلف وحضور مشرف، اكتبوها اسماً لامعاً في سماء البلد، ورقماً جديداُ في قائمة موهوبيه، وإضافة بارزة للعالم الذي يحترم العلم ويقدر أهله، هي مواطنة شابة حلّقت بعيداً باسم وطنها وحضرت به في المكان اللائق الراقي حين حصلت على جائزة الإبداع العلمي من أكبر منظمة لدعم البحث العلمي في الولاياتالمتحدة الأميركية «إتش.أي.إن»، وقيمتها ثلاثة ملايين دولار، حضرت بكامل أناقتها فكراً وعلماً وأثبتت أن المرأة السعودية مُشَرِفة بارزة مهيأة لصعود منصات التتويج متى ما منحت لها فرصة إثبات الوجود والفرص المتاحة ذاتها التي يأخذها كاملة نظيرها الرجل، تألقت وقبلها مواطنات بارعات اكتفى مجتمعي بمجرد الإشارة الخجولة لهن، أو الاتجاه بأسئلة غارقة في الإحباط ومليئة بالقناعات والعادات المتصلبة، كانت في المجمل تمثل السبب وراء تراجع مبدعات كثر عن المضي قدماً والتحليق وتسجيل الاسم في لوحة الشرف، رغم انه لا علاقة للأسئلة المريضة وأجسادها المتحدثة بتحقيق النجاحات والانضمام لقوافل الإبداع، إنما انشغل الفارغون بمطاردة الزوايا الضيقة التي تتطابق تماماً مع مساحات التفاؤل والرغبة في الارتقاء ومستوى التفكير والنظر لديهم. لم تترك المكان إلا من أجل أن تثبت لمن سأل ذات يوم عن أهل المكان وطموحاتهم ومقدار صمودهم، خصوصاً من النساء اللاتي هن مثار أسئلة دائمة واتهام متواصل عن انغلاقهن وسط مجتمع لا يؤمن بهن إلا تحت إشراف دقيق ومتابعة مستمرة لقناعات سابقة وخوف متوارث، على افتراض دائم أن الزمن لم يعد الزمن، والحياة بتشكيلتها الجديدة لا تقبل رياح التغيير وتستسلم لحصرية الفرص لنصف المجتمع من الذكور، لتبقى الشواغر والمقاعد الزائدة مفتوحة للتأويل والنقاش وتفكيك النصوص واعتساف الدين، يذهب بي محور الحديث كثيراً للخوض بجدية في الصمت حيال المنجز والمرور العابر عليه، وكأنه لا يعنينا أو لا يستحق رفع القبعة احتراماً له واحتفاء به، بل تمريره على الجيل ولو على سبيل الاحتفاظ بالاسم والمنجز، والتأكيد أن المكان منتج لكل المبدعين شريطة ألا يقف الطموح عند العقبات الأولى، وينهار تماماً أمام كل الكلمات التي تهبط بكل أشرعة الإصرار إليها حتى تتساوى معها. «غادة مطلق عبدالرحمن المطيري» هي الاسم الجديد والبروفيسورة السعودية القادمة، ولعل ما زادني سروراً وإعجاباً أنها تنتمي لقبيلة عريقة لها الحق في الفخر بابنتها، ويحق لغادة أن تفرح بقبيلتها، وسر الفرح لأن فينا من - لا يزال - يردد بصوت مسموع مريض وأسئلة حاضرة مشوهة، تهميش كل حضور سعودي ومنجز تحققه «امرأة» ليضعه على طاولة الفحص والكشف والعودة للجذور والفروع والبحث في أوراق التاريخ حتى يبرر أن حججه في المنع والرفض والاكتفاء ودفن القدرات والمواهب ترتكز على أسس قوية فرضتها بنود عادات وتقاليد لم تكن قرآناً منزلاً أو نصاً ثابتاً لا يقبل تجديداً أو تماشياً مع واقع، «غادة» هي آخر نساء الوطن المبدعات الموهوبات ولن تكون الأخيرة، وربما إلى اليوم لا أحد سمع عنها لأنها لم تأخذ ميدالية ذهبية، أو تشارك في إعلان تلفزيوني، أو تجلب لنا وجبة من الضحك الصناعي في ظل نقص معدل الضحك الطبيعي، «غادة» سعودية وراءها أب عظيم وأم أعظم وبداخلها جبل من التحدي والإصرار جعلها تقف في قمة الجبل مع من سبقها حتى تحاول وزن المعادلة مع الذكور. [email protected]