«أ» ما لا يقل أهمية عن فوز فاروق حسني بمنصب مدير عام منظمة اليونسكو هو تحطم أساطير انسانوية بقيت قطعية وراسخة في الذهنية العربية خصوصاً والشرقية عموماً، بل ربما لم تخل منها الذهنية الغربية في بعض تجلياتها وخطابها الثقافي. هذه الأساطير الثلاثة هي: 1-أسطورة «العرب لا يتفقون». 2-أسطورة «الغربيون لا يختلفون». 3-أسطورة «اللوبي الأميركي لا يقاوم»! (1) أما الأسطورة الأولى فقد كان تحطيمها هو الأجمل والأبهى حتى من الفوز. لم يجتمع العرب ويتعاضدوا ويتحدوا كما كانوا داخل أروقة اليونسكو أيام التصويت للمرشح العربي المصري فاروق حسني. بل إننا نسينا في بعض اللحظات الوجدانية العارمة إن كان فاروق حسني مصرياً أو سعودياً أو مغربياً، لولا تذكير بعض الأخوة من أعضاء الوفد المصري لنا بذلك!! تكاتفنا .. تعاطفنا .. توحّدنا، حتى تحقق الهدف العربي الموحد. بل إن الجزائر التي كانت متهمة بأنها قد تنحاز لابن بلدها المرشح باسم بلد آخر، أثبتت براءتها من التهمة إذ لم يحصل السيد بجاوي على أي صوت أثناء الجولات الانتخابية، لا من الجزائر ولا من غيرها. كنت أشعر بالزهو والفخر حين أسمع من السفراء الغربيين أو الشرقيين أنه لم تتحد مجموعة جغرافية واحدة على مرشح واحد في هذه الانتخابات سوى اتحاد المجموعة العربية على المرشح العربي. والله زمان يا عرب .. وأخيراً تحقق الحلم. (2) أما الأسطورة الثانية التي تحطمت فهي نفي بشرية الغرب، وأنهم ليسوا مثل باقي البشر يخطئون ويصيبون ويتفقون ويختلفون، وقد اختلفوا هذه المرة وتوزعت أصواتهم بين أربعة مرشحين غربيين (البلغارية والنمسوية والليتوانية والإكوادورية)، والأخيرة إن لم يسغ تصنيفها بالغربية، فهي على الأقل مرشحة الدولة الغربية الكبرى! تشتت الغرب على أربعة مرشحين .. واتحد العرب على مرشح واحد. (3) أما الأسطورة الثالثة بأن اللوبي الأميركي لا يقاوم ولا يُهزم، ولا يمكن لأحد أن يفوز ضد رغبة اللوبي الأميركي. هذه الأسطورة لم يحطمها فاروق حسني فقط، بل حطمها من قبله بسنين عديدة مدير عام منظمة اليونسكو الأسبق والأشهر السيد أحمد مختار أمبو، حين واجه اللوبي الأميركي الذي وقف ضده عام 1984 حتى انتهت المواجهة بينهما بانسحاب أميركا (بعظمتها) من منظمة اليونسكو، ولم تعد إليها إلا بعد عشرين عاماً! كما حطم أسطورة اللوبي اليهودي الأميركي العام الماضي الرئيس باراك حسين أوباما، حين سيطر على كرسي الرئاسة الأميركي بعروقه السوداء وجذوره الإسلامية. أسطورة «اللوبي اليهودي الأميركي» تترنح منذ زمن، لكننا نأبى أن نسدّد لها لكمة الموت الرحيم! «ب» أعددت الجزء «أ» من هذه المقالة بعد ظهور نتائج الجولة الأولى من انتخابات اليونسكو، التي حصل فيها فاروق حسني على 22 صوتاً، مقابل 8 أصوات فقط لأقرب منافسيه. ثم بعد ذلك تدهورت الأمور حتى صارت إلى خروج المرشح العربي، وفوز المرشحة البلغارية في صعود مذهل .. لكنه مستحق. السؤال الآن: هل يشكل خروج فاروق حسني من سباق اليونسكو نفياً لتحطيم تلك الأساطير الثلاثة؟ هذا ما سنسعى للإجابة عنه في مقالة الأربعاء القادم بإذن الله. * كاتب سعودي [email protected]