كشف وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أن بلاده تجري «اتصالات ولقاءات وأحاديث غير معلنة» مع سورية للتوصل إلى «أرضية مشتركة» في ما يخص الملفين الفلسطيني واللبناني. ورحب بالتقارب بين الرياض ودمشق، معتبراً أنه ينعكس على الملفات العربية، خصوصاً الوضع في لبنان الذي رأى أنه بات «عنصر ضغط يحتاج معالجة سريعة». وقال في مقابلة مع «الحياة» على هامش مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة لناحية مستقبل جهود المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية التي ترعاها بلاده، مؤكداً أن «الموضوع بالغ التعقيد». ودعا الغرب إلى التعامل مع الملف النووي الإسرائيلي. وانتقد «تسييس» إجراءات المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير. وفي ما يأتي نص المقابلة: نبدأ بالموقف الأوروبي - الأميركي الجديد المتمثل في تهديد الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إيران بتشديد العقوبات إن لم تلب مطالب الدول الست. هل طالبت واشنطن العرب بلعب دور في تشديد العقوبات؟ - التقينا الأميركيين أكثر من مرة. وبطبيعة الحال، طُرح موضوع إيران بين موضوعات أخرى. المهم أنه في لقاء وزيرة الخارجية الأميركية مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن، لم يتم تناول هذا الأمر، لكن الجانبين الأميركي والبريطاني يبديان في إطار الاجتماعات الثنائية والمتعددة الأطراف، على مستويات مختلفة، قلقاً عميقاً من الموقف الإيراني ومن احتمالات تطور الملف النووي. على الجانب الآخر، نحن في مصر نرى أنه يجب السماح لإيران في التخصيب طالما أن برنامجها سلمي. مشكلتنا الأساسية أن هناك الكثير من الشكوك في هذا البرنامج وعَمّقَ هذه الشكوك هذا الكشف الأخير، لأنه لم يصدر فجأة، فبناء مؤسسة نووية لا يتم بين يوم و ليلة، بل يستغرق سنوات. هناك بلا شك مزيد من التعقيد في هذا الملف، ونعترف بهذا التعقيد ونطالب إيران بأن تسعى إلى تسوية عاجلة ومفاوضات ومشاورات جادة وذات صدقية مع المجتمع الدولي. هل تخشى ضربة عسكرية إذا لم تتجاوب إيران أو لم تنجح العقوبات؟ - بالتأكيد، لأن الضربة العسكرية شيء مزعج للعالم العربي وللعالم الإسلامي وللإقليم كله، ولها عواقبها. وبالتالي نأمل في أن يسود صوت العقل وأن تتحرك إيران في اتجاه الدول الست، وأن تتجاوب مع مطالب المجتمع الدولي. لكن نحن لا نركز في مصر فقط على إيران، نحن أيضاً نطالب المجتمع الدولي بإعطاء قدر من الاهتمام لملف نووي ناضج، هو الملف النووي العسكري الإسرائيلي. عندما نطرح هذا الموضوع على العالم الغربي يتهربون ولا يتحدثون في الملف النووي الإسرائيلي. نحن نقول إنه يجب معاملة الملفين على قدم المساواة، على رغم أن إحدى الدولتين قوة نووية معروف أن لديها قدرات نووية وهي إسرائيل، والأخرى إيران هي عضو في معاهدة منع الانتشار وهناك شكوك تحلّق في سماء نهجها النووي الحالي. كيف ستبنون على القرار الذي صدر في جنيف في شأن امتلاك إسرائيل السلاح النووي؟ - هذا موضوع نريد أن نتحرك فيه مع الولاياتالمتحدة، ومع الاتحاد الأوروبي، ومع إسرائيل نفسها، لكن نبغي درس هذا الموضوع كله في إطار تنفيذ قراري مؤتمري اتفاق منع الانتشار لعام 1995 وعام 2000. هذان القراران يطالبان الأطراف بإقامة منطقة منزوعة الأسلحة النووية. وبالتالي نسعى إلى إقناع هذه القوى المختلفة بأن تتحدث معنا، وبأن يعقد المؤتمر الدولي الذي نطالب به كي ندفع بالفكرة ونناقش عناصر إنشاء هذه المنطقة. أتصور أن مؤتمر المعاهدة في أيار (مايو) المقبل سيمثل فرصة طيبة كي نبحث في كل هذه المسائل. هل لديكم طروحات جاهزة أثناء ذلك المؤتمر، هل هي جديدة؟ - نعم، لدينا أوراق عمل وزعت على الاجتماعات المختلفة التي تُعقد حالياً للتحضير، وهي تركز أساساً على فكرة عقد مؤتمر دولي يجمع إسرائيل والأطراف العربية والمجتمع الدولي للبحث في العناصر التي ستقوم عليها هذه المنطقة. هل هناك استعداد لدى الولاياتالمتحدة وأوروبا للبحث في الملف النووي الإسرائيلي؟ - الجانب الأميركي يقول إنه على استعداد، لكن ليس اليوم. الولاياتالمتحدة قَبِلت بهذا الطرح عام 1995 عندما قبلت بالقرار القاضي بإقامة المنطقة، ثم أكدت هذا عام 2000، ثم تفاوضت مع الجانب المصري في المؤتمر الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقبلت بقرار الضمانات المصرية الذي يطالب بإقامة المنطقة (المنزوعة الأسلحة النووية). إذاً ليس هناك موقف أميركي جديد في هذا الصدد. - هناك مؤشرات أميركية تقول إنهم على استعداد لقبول فكرة عقد المؤتمر الدولي لإقامة هذه المنطقة. تحدث الرئيس العراقي جلال طالباني عن توافق ضمني أميركي - إيراني في شأن العراق. هل يفاجئكم هذا؟ - توافق أميركي - إيراني في أي موضوع من موضوعات العراق؟ أشك في وجود توافق أميركي - إيراني في كل موضوعات علاقة العراق بإيران. لكن إذا كان المقصود الخلاف الحالي في شأن تفجيرات بغداد، فنعتقد أن هناك اهتماماً إيرانياً - أميركياً بتهدئة المخاوف العراقية ومحاولة إقناع العراق بعدم الدفع بهذا الموضوع أمام المجتمع الدولي. تقصد الدفع نحو محكمة دولية كما تحدث عنها رئيس الوزراء نوري المالكي؟ - أو على الأقل الدفع نحو تعيين مسؤول دولي من قبل الأممالمتحدة كي يحقق في الموضوع، لأن العراقيين في تقديري لا يتمسكون بفكرة عقد محكمة، لأن المحكمة تُعقد عندما يَثبُت شيء ما. العراقيون فيرغبون في التحقيق، وبالتالي يطلبون من الأمين العام للأمم المتحدة أن يسعى إلى تعيين شخصية للنظر في هذه الأحداث وفي الاتهامات العراقية. هل يعني هذا أن الولاياتالمتحدةوإيران اتفقتا ضمناً على عدم إرسال مبعوث دولي لهذه المهمة؟ - الولاياتالمتحدةوإيران لا ترغبان في أن يطرح العراق رؤيته أمام الأممالمتحدة ولا يريدان أن تتعقد العلاقة السورية - العراقية نتيجة لهذا المطلب العراقي. لماذا؟ وماذا وراء هذا التوافق الأميركي - الإيراني الضمني وغير الضمني؟ - يُسأل الأخوة في العراق أو الجانب الأميركي والجانب الإيراني. لا أستطيع أن أعطي تفسيراً غير مؤكد في هذا الصدد. ليس لدي تفسير. مادُمنا نتحدث عن تقارب. هناك تقارب سعودي - سوري يحدث الآن. أين مصر من هذا التقارب؟ - نحن نبارك أي تحركات تؤدي إلى إصلاح ذات البين العربية. إذا ارتأت المملكة أن الوضع الحالي يساعد على تحسين الأجواء العربية، وهو مطلب طرحه الملك عبدالله بن عبد العزيز منذ مؤتمر الكويت، فمصر لا تمانع، بل على العكس تؤيد كل خطوة تؤدي إلى تحقيق هذا الاسترخاء في العلاقات، لأن تحقيق الاسترخاء في العلاقات له انعكاساته على مشاكل مؤكدة، أحدها مشكلة لبنان، وهي لها عناصرها الداخلية، لكن لها أيضاً عناصرها الخارجية. أي لقاء سعودي - سوري أو تحرك في العلاقة السعودية - السورية تكون له انعكاساته على مجمل الوضع العربي، وبالتحديد في لبنان. هذا أمر نؤيده ونشجعه لأن الوضع في لبنان أصبح عنصر ضغط يحتاج إلى معالجة سريعة. تبينا أن بعضهم في الأممالمتحدة بدأ يروج لفكرة «لا داعي لأن يشغل لبنان مقعداً في مجلس الأمن ولا داعي لأن يُنتخب لبنان في مجلس الأمن ممثلاً العرب في غرب آسيا لأنه ليست لديه حكومة. بدأ بعضهم يروج هذا. ومن هؤلاء؟ - بعض الأطراف الغربية بدأت تروج هذا الكلام، بعضهم يخشى أن التمثيل العربي بالمقعد اللبناني قد يكون معرضاً لتأثيرات داخلية أو خارجية. ونحن نقول لهم إن هذا كلام غير دقيق، ويجب أن تُتاح الفرصة بالكامل للشعب اللبناني وللحكومة اللبنانية وللدولة اللبنانية لتشغل هذا المقعد، باعتبارها ممثلة يرضى عنها العرب. تقول الغرب، تقصد الولاياتالمتحدة أو أوروبا؟ - أقول الغرب. هل لك أن تقول إذا كانت الولاياتالمتحدة تروج هذا الأمر؟ - أقول الغرب. هل فهمتم من السعودية أن الأمور ستتحلحل في لبنان بسبب التقارب مع سورية؟ - ليست لدي معلومات في هذا الصدد لأنني بعيد من القاهرة منذ أكثر من أسبوع ولا توجد اتصالات. لم يحدث في نيويورك أن بحثت في هذا الأمر مع (وزير الخارجية السعودي) الأمير سعود الفيصل أو مع (وزير الخارجية السوري) الأخ وليد المعلم. هل هناك وساطة سعودية بهدف تحسين العلاقة المصرية - السورية؟ - لا. هل تريدون مثل هذه الوساطة؟ - لا نحتاج وساطة. هناك اتصالات مصرية - سورية مُعلن عنها. لكن المؤكد أن هناك اتصالات ولقاءات وأحاديث بين مصر وسورية لا نُعلنها. لماذا؟ - لأن لا حاجة لإعلان شيء، ينبغي ألا نعطي توقعات، لكن هناك اتصالات وهناك أحاديث وهناك محاولات من الطرفين للالتقاء على أرضية مشتركة في ما يخص القضية الفلسطينية والقضية اللبنانية. هل تتناول هذه المحادثات بينكما العلاقات السورية - الإيرانية؟ - لا نتحدث مع الأخوة السوريين في هذا الصدد. ماذا تطلبون منهم من أجل تحسين العلاقة؟ وماذا يطلبون منكم؟ - نحن نطلب من سورية أن تساعد في مسألة حلحلة الملف الفلسطيني، لأن لديها قدرة تأثير على حركة «حماس». ودائماً نقول لهم ساعدونا، وهم يقولون إنهم يقومون باللازم. يعني حقيقة الأمر أن الجانب السوري يقول إنه يقوم باللازم مع «حماس» وإنهم يشجعونها لتحقيق هذه الانفراجة. هل زيارة رئيس المكتب السياسي ل «حماس» خالد مشعل القاهرة نتيجة الاتصالات المصرية - السورية غير المعلنة؟ - إذا اعترفنا بذلك فكأننا نقول أن لا إرادة مستقلة له، ولا أرغب في أن أقع في هذا الفخ. لكن خالد مشعل حضر إلى القاهرة قبل بضعة أسابيع. بجهود سورية أيضاً، بتشجيع سوري؟ - الأخوة السوريون يقولون إنهم يشجعونه على المضي في تفاهم مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس والتجاوب مع المقترحات المصرية. وأين وصلت الجهود المصرية للمصالحة الفلسطينية؟ - الأيام القليلة المقبلة ستكشف إذا كان هناك فعلاً وضع يمكننا من العودة إلى بناء موقف فلسطيني موحد وتوافق فلسطيني - فلسطيني، أم أن هذا الانقسام سيستمر ويمتد فترة طويلة. كل ما نقوله إن استمرار هذا الوضع يُلحق بالغ الضرر بالقضية الفلسطينية ويُمكّن إسرائيل من الاستمرار في تحقيق كل أهدافها ضد الشعب الفلسطيني. هذا الوضع لا تستفيد منه إلا أقلية وعناصر محدودة جداً. ما هي العقدة الأساسية التي تحول دون تمكن مصر من معالجة هذه الأزمة؟ - توجد مواقف كثيرة، منها شكل الانتخابات، وشكل الاتفاق على الحكومة الموقتة أو الإدارة الموقتة لقطاع غزة حتى إجراء هذه الانتخابات، وكيفية بناء قوات الأمن الفلسطينية، وهل يقتصر الأمر على غزة أم يمتد إلى الضفة الغربية؟ - الموضوع بالغ التعقيد. أيضاً المعتقلون الفلسطينيون في الضفة وفي غزة ما بين «حماس» و «فتح». كلها مسائل معقدة للغاية. من يبحث في هذا الملف، يكتشف أن فيه ما يقرب من ألف صفحة يومياً. يزداد الكلام عن مزاعم تهريب الأسلحة عبر الأنفاق... - لا يوجد تهريب، المؤكد لدينا أنه لا يوجد تهريب، ومن يقول إنه نجح في تهريب هذا وذاك، فهذا أمر يتعلق به وبرسائل يرغب في إرسالها إلى أطراف مختلفة. لكن نحن في مصر نقول إنه لا يوجد تهريب ولا نسمح بتهريب عبر أنفاق غزة. ماذا ستفعلون كعرب، وتحديداً مصر في موقع الريادة في الموضوع الفلسطيني، في شأن «تقرير غولدستون» عن العدوان الإسرائيلي على غزة؟ - أعتقد أن هذا الموضوع يجب أن يُبحث عربياً ثم يُنقل إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. نحن كعرب لدينا كثير من التأثير في مجلس حقوق الإنسان، والدول الإسلامية عندها كثير من التأثير فيه. نستطيع بعد البحث في هذا الموضوع أن نستصدر قراراً يأخذ «تقرير غولدستون» إلى المرحلة الأعلى، وهي مرحلة مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة أو أي اتجاه آخر. لكن المجموعة العربية لم تبحث بعد بتعمُق في هذا الموضوع، شاركت في اجتماع وزراء الخارجية العرب في نيويورك وتطرقنا إلى هذا الموضوع بإيجاز شديد، مع اقتناعنا بأن مجلس حقوق الإنسان، والوفود العربية فيه هي التي ستتناول هذا الأمر. أعتقد أن السلطة الفلسطينية حالياً تروج لمشروع قرار في هذا الصدد، تناقشه المجموعة العربية في إطار المجلس. بعض الوزراء العرب يرى أن خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هو مرجعية الأمر الواقع للمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية. هل تشعرون أنتم أنه خطاب تاريخي فعلاً ويتضمن ما يلزم من مرجعية؟ وهل صحيح أن هيلاري كلينتون أكدت في لقائها الوزراء العرب أن ما جاء في خطاب أوباما هو المرجعية؟ - أولاً، لم يتقرر بعد بدء المفاوضات بين الجانبين. هناك جهد يبذل للاتفاق على المفاوضات، هذه نقطة أولى. النقطة الثانية، هي خطاب الرئيس أوباما، وهو خطاب مهم للغاية لأنه يحدد الأولويات التي ستتمسك بها الولاياتالمتحدة في مفاوضات المرحلة النهائية. عندما يقول الرئيس إن الحدود ستُبحث، وإن القدس ستُبحث، فهذه مسائل غاية في الأهمية لأن الجانب الإسرائيلي يرغب في أخفاء هذا كله ووضعه تحت السجادة وعدم السماح به. إسرائيل تضع الكثير من العراقيل و يجب ألا يقع العرب في فخ العراقيل التي تضعها إسرائيل لهم. عندما يتحدثون عن يهودية الدولة ويقول البعض إنها شرط ونستجيب لهذا الاستفزاز باعتبارها شرطاً فنوقف التحرك نحو المفاوضات، فنحن نقع في حقيقة الأمر في فخ تضعه لنا إسرائيل. بالنسبة إلى ما جاء في تفاصيل خطاب الرئيس الأميركي، هل من وجهة النظر العربية أصبح ذلك الخطاب هو المرجعية من أجل استئناف المفاوضات؟ - ما المقصود بأنه المرجعية؟ يتحدث الفلسطينيون عن حاجتهم إلى مرجعية لإجراء المفاوضات. يقولون إنهم سيستأنفون المفاوضات والحوار، إنما يريدون مرجعية للمفاوضات. وأوباما يتحدث عن ضرورة أن تكون المفاوضات على الوضع النهائي. - لا أتصور أن هناك مرجعية تقتصر على سطر واحد أو فقرة. يجب أن تكون المرجعية واضحة، أي إن عندما نتحدث عن إنهاء الاحتلال، فيجب أن يرتبط التفاوض بإنهاء الاحتلال وبأن تكون الدولة الفلسطينية موجودة على حدود عام 1967. المفاوضات لا تكون حول الحجم الذي تأخذه إسرائيل من أراضي الفلسطينيين، بل حجم التبادل بين الطرفين في ما يتعلق بالحدود. إسرائيل اليوم تبني أو بنت مستوطنات وبنت كتلاً سكانية على الأرض الفلسطينية. يجب أولاً أن يقول الجانب الأميركي إن الدولة الفلسطينية ستقوم على حدود عام 1967. إذن، حدد الجانب الأميركي مرجعية. - نحتاج مزيداً من التفاصيل. ألهذا السبب طلبتم من وزير خارجية قطر أن يتوجه ويطلب من واشنطن خطاب ضمانات؟ - لا أعتقد بأن أحداً طلب التوجه إلى واشنطن. ولا أعتقد بأن هناك تكليفاً لأحد بطلب خطاب ضمانات. هذا الموضوع طُرح في اجتماعات لجنة المتابعة انطلاقاً من اجتماع ضيق عقد بين وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية والمبعوث الأميركي إلى المنطقة جورج ميتشل والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قبل أيام، وطرحت فكرة ليُعطى الفلسطينيون خطاب تأكيدات وضمانات بمنهج ما. أنتم إذن لم تكلفوا وزير خارجية قطر بأن يطلب من الأميركيين خطاب ضمانات؟ - قُدم طلب إلى الجانب الأميركي في لقاء الرباعية، لمنح الفلسطينيين خطاب ضمانات. قُدم ووعد ميتشل بأن يُبحث في الأمر على مستوى الإدارة الأميركية، ودعيني أؤكد أن هذه كلها هي مسائل ما زالت في خضم التشاور والنقاش ولم تُحسم نهائياً ومواضيع لم يُحدد العرب نهائياً رؤيتهم فيها. هذا موقف أؤكد عليه لأن من الخطورة بمكان أن نقول إن العرب يطلبون أو إن الفلسطينيين يطلبون ثم لا يأتيهم الرد. هذا كله تفكير بصوت عال ومشاورات كي نضع أنفسنا في الوضع الذي يُمكن الفلسطينيين عندما يبدأون التفاوض من البدء على أرضية صلبة. توجّه الرئيس الأميركي إلى العرب، من دون تسميتهم، و هذا يبدو من قراءة النص الذي جاء في خطابه، حين قال: «فلنبدأ المفاوضات من دون شروط مسبقة». اعتُبر هذا موجهاً إلى الطرف العربي أو الطرف الفلسطيني. هل هناك استعداد للتفاوض من دون شروط مسبقة؟ - أعتقد بأن من الضروري جداً اليوم الحذر في التحدث عن هذه المسائل في شكل غير دقيق. ما أؤكده أن هناك جهداً أميركياً يُبذل حالياً للتوصل إلى تفاهم أميركي - إسرائيلي في شأن الاستيطان. أتصور أن هذا الجهد يجب أن يقترن بتأكيدات أميركية للفلسطينيين. يتحدث الأميركيون عن أنهم سيكونون في قلب هذه المفاوضات وأن يدهم ستكون قابضة على هذا الموضوع، ولن يتركوا الأطراف كي تتفاوض في ما بينها. هذا أمر بالغ الأهمية. أيضاً، يؤكد الأميركيون أن إذا بدأت المفاوضات، فلا رجعة عن الالتزام الإسرائيلي والأميركي بوقف الاستيطان لأننا عندما نتفاوض ثم تقول إسرائيل سأوقف الاستيطان لمدة ستة شهور ثم تستمر المفاوضات بعد هذه الشهور الستة، فلا أتصور أنه سيسمح لإسرائيل بالعودة إلى الاستيطان، وهذه نقطة ثانية، أي ربط استمرار المفاوضات بفترة وقف الاستيطان. الشيء الثالث هو أن تكون هذه المفاوضات لفترة زمنية محددة ومتفق عليها مسبقاً وصولاً إلى اتفاق نهائي. مصر تطالب بما يسمى In game، أي إن نتفق على شكل التسوية ثم نبحث في تفاصيلها من خلال المفاوضات. هل هذا مطروح كشرط مُسبق مع الولاياتالمتحدة؟ - لا أعتقد بأن هذا شرط مسبق، لكن هذه هي التوصية المصرية التي يمكن أن تجهز الأرضية المناسبة لإطلاق المفاوضات أو للنجاح فيها. لأننا قد ندخل مفاوضات وقد تناور إسرائيل وقد نرى الكثير من الألاعيب بما يؤدي إلى ضياع الوقت. يجب عدم السماح بضياع الوقت، الوقت في هذه اللحظة حقيقة هو من ذهب. دعني أسألك عن موضوع خلية «حزب الله» اللبناني في مصر. يقول البعض إنكم بالغتم في خطورة تلك الخلية، هل فعلاً اكتشفتم أنكم بالغتم؟ - بالتأكيد لم نبالغ، لأن هناك من يعمل على الأرض المصرية من دون مشروعية ويأخذ لنفسه حقوقاً على الأرض المصرية بدعوى أنه يُناضل من أجل قضية قومية. هذا أمر سبق أن أكدنا أنه مرفوض ولا يمكن أن نقبل به وسنتصدى له، سواء من خلية «حزب الله» أو غيرها. لا يمكن أن نقبل بإعطاء أحد حقوقاً، مهما كان سعي هذا الطرف لأي قضية قومية أو وطنية خاصة به أو خاصة بالشعب المصري، طالما هو خارج إطار الشرعية المصرية. أرض مصر مقدسة، وتأتي قبل أي شيء، ولا يمكن أن نسمح لأحد بأن يخترقها تحت أي دعاوى. هل حاولت سورية مفاتحتكم في هذا الموضوع؟ - لم يتحدث الأخوة السوريون إطلاقاً في هذا الموضوع معنا. هل تحدثتم إلى الإيرانيين في هذا الموضوع؟ - لا نسمح بالتحدث مع أي طرف في هذه القضية، لأنها مسألة مصرية. من يعمل على الأرض المصرية في شكل غير قانوني يُقبض عليه ويعرض على القانون المصري ولا نبحث في هذا الأمر مع أي طرف كان. وعندما حاول بعضهم أن يتحدث في هذا الموضوع معنا فور ظهور القضية، قلنا إن هذا الأمر أمام القضاء المصري، ولا نسمح بالتدخل فيه. أين هي هذه القضية الآن؟ - في المحكمة وستأخذ مداها. الأمر مطروح أمام المحكمة ويأخذ مداه. ماذا حدث بعد تصريحات الأمين العام ل «حزب الله» حسن نصر الله عن مصر، عن دورها، من وجهة نظره، وعن الدفاع عن الحقوق العربية؟ - هذا الأمر لا نعطيه اهتماماً لأن مصر تعرف قدر نفسها وقدر التزامها تجاه أمتها ولا تحتاج لمحاضرات من أحد. هل تعتقد أن خلية «حزب الله» تصرفت بمفردها أم أن إيران حاولت زعزعة استقرار مصر؟ - لا أعلم، حقيقة لا أعلم. ولكن من يسعى إلى اختراق الأرض المصرية متحركاً من قبل إيران أو غير إيران نتصدى له. هذه الخلية قُبض عليها وهي حالياً أمام المحكمة، وما بعد ذلك لا أتحدث فيه. هل هناك دور للأمم المتحدة؟ هل ستتوجهون إليها؟ - لا نتوجه إلى الأممالمتحدة إطلاقاً، أخذاً في الاعتبار أن الأممالمتحدة طرحت خلية «حزب الله» وعملها على الأرض المصرية في أحد تقاريرها التي قدمها السيد تيري رود لارسن إلى مجلس الأمن. هل تخشون أن تتحول الساحة اللبنانية إلى ساحة تفجير صراعات، لا سيما إذا ازدادت الضغوط على إيران؟ - من الأمور المهمة جداً أن يتنبه شعب لبنان بكل أطيافه إلى أن مستقبله يأتي أولاً، ويجب عدم السماح لأي أيد أجنبية بأن تلعب في الساحة اللبنانية خدمة لمصالح خارجية. يجب أن ينظر أهل لبنان إلى مصالح لبنان من منظور مصلحة شعبه فقط، ويجب عدم السماح بغير ذلك. وسلاح «حزب الله» في لبنان؟ - المسألة ليست في سلاح «حزب الله». المسألة في تصور بعض القوى الخارجية أنها قادرة على التأثير في الشأن اللبناني وبالتالي التأثير في مصالحها مع القوى الغربية. باختصار، كيف هي العلاقة المصرية - الإيرانية في هذه المرحلة؟ - هادئة، لا يوجد أي احتدام بين مصر وإيران. على سبيل المثال وزير خارجية إيران شارك معي في أعمال قمة عدم الانحياز وفي لقاءات مع الروس ومع الاتحاد الأوروبي. هل ترى أن روسيا مستعدة للحاق بالموقف الغربي في ما يخص إيران وتشديد العقوبات؟ - هذا أمر وارد للغاية إذا اقتنعت روسيا بأن الملف النووي الإيراني يتطور في الاتجاه غير المرغوب فيه. يجب ألا يفوتنا أن إيران تقع على الحدود الروسية هي الأخرى. وبالتالي، فإن روسيا لا تريد أن ترى إمكانات نووية على حدودها الجنوبية في شكل قد تكون له انعكاساته. علاقة روسيابالولاياتالمتحدة تهددت عندما توجهت أميركا إلى إقامة نظام دفاعي صاروخي جديد. هذا أدى إلى تعقيد العلاقة الروسية - الأميركية. بالعودة إلى الموضوع المصري، هناك مقالات أو دراسات تقول إن «الإخوان المسلمين» يبنون قوة... - لا أتصور أن هناك دولة في العالم العربي أكثر استقراراً من مصر وأكثر انفتاحاً في الحياة السياسية من مصر. نحن أكثر الدول العربية انفتاحاً في مناقشة مسائلها الداخلية. بعضهم يرى أن إسقاط المرشح المصري لليونسكو جاء كرسالة احتجاج إلى مصر على عدم إفساح المجال لحرية التعبير. - هذا أمر غير حقيقي على الإطلاق. هذه هي الستارة التي يطرحها هؤلاء المعادون لمصر وللترشيح المصري. أولاً، ليس بالضرورة أن ينجح كل مرشح تضعه أي دولة في الحصول على الموقع المطلوب. هناك ممثلة لأوروبا فشلت، المفوضة الأوروبية للعلاقات الخارجية، وهناك نائب وزير الخارجية الروسي، أي إن هناك من ينجح ومن يفشل. اللافت هو الأسلوب الذي يتم به إفشال المرشح. الأسلوب الأخير تم الاحتجاج عليه لأنه وضح أن هناك رغبة غربية وأوروبية في التصدي لمرشح عربي مسلم بإثارة قضايا غير موجودة. وقمت بالتصدي لهذا في اجتماع الجمعية العامة التي نحضرها حالياً، عندما عقدت لجنة تحالف الحضارات. وعبرت عن انتقادنا الأسلوب الغربي الأوروبي في تناول هذا الموضوع. نأتي إلى موضوع دارفور. هل تحمون، باعتبار مصر رئيساً لمجموعة دول عدم الانحياز، الرئيس السوداني عمر البشير الذي يقول المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو إنه ما زال مطارداً من العدالة؟ - عندما يصدر قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع سنلتزم به. طالما لم يصدر هذا القرار، فهو اتهام من قِبَل المدعي العام، وقرار المحكمة ليس ملزماً لأي طرف ليس عضواً في هذه المحكمة. وهذا الموقف تتبناه الجامعة العربية ويتبناه الاتحاد الأفريقي، وهو ليس موقفاً مصرياً فقط. لسنا ملزمين بأي شيء لسنا أعضاء فيه. لسنا أعضاء في المحكمة. أنتم تتوجهون الآن إلى المحكمة الجنائية الدولية وتريدون منها أن تقوم بدور في موضوع غزة بناء على «تقرير غولدستون». تريدون ذلك لكنكم تضربون المحكمة من ناحية أخرى. كيف توفقون بين الأمرين؟ - هذا الأمر ليس متفقاً عليه. أي أمر؟ - الاتهام (للرئيس البشير). الاتحاد الأفريقي رفضه. الاتحاد الأفريقي هو السلطة العليا في أفريقيا. الجامعة العربية رفضته، ومصر لا توافق عليه. لماذا؟ لأننا نرى أن هناك تسييساً في هذا القرار. لماذا تتوجهون إلى المحكمة الدولية الآن للتحقيق في جرائم غزة؟ - لم نصل بعد إلى... أنتم تدعمون هذه التوصية أم لا؟ - عندما تأتي هذه التوصية سندعمها لأنها حق الشعب الفلسطيني. إذن تدعمون هذه التوصية، لكنكم لا تحترمون المحكمة الجنائية الدولية عندما تصدر قرارات ضدكم. - لأنني أشك جداً في أن المحكمة ستتخذ إجراءات تجاه ما قامت به إسرائيل، على نمط ما حدث مع السودان. ما حدث في السودان كان حرباً أهلية ومحاولة السلطة السودانية فرض نفسها على الأرض ضد تهديد بتمرد. أنا لست في معرض الدفاع عن السلطة السودانية، لكن أرى أن هناك تسييساً لهذه القضية.