احتفل السعوديون بيومهم الوطني نهار الأربعاء 23/9/2009. ويوم الثلثاء 22/9/2009 نشرت صحيفة «الوطن» مقالاً عن أهمية «جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية» التي صادف يوم افتتاحها اليوم الوطني السعودي، كتبه الأمير الشاعر المبدع خالد الفيصل، تحت عنوان «العالم الأول على أرضنا... فماذا نحن فاعلون؟». وكان مقالاً من المقالات التي يَنْدُر أن نقرأ ما يشبهها لغة ومحتوى مقارنة بالكثير مما يُكْتَب في كل عام في هذه المناسبة. إنها مقالة تستحق بحق القراءة المتأنية والتفكير الموضوعي الجاد. *** وعلى رغم الأهمية الكبرى لهذه الجامعة التي ستؤدي إلى نقلة علمية كبيرة، وتطبيقات ذات أهمية أكبر، فما هي إلا امتداد لدولة عبدالعزيز، ولذلك فإن اليوم الوطني السعودي، وبعد مرور نحو 80 سنة هجرية، وحتى بعد مئات السنين إن شاء الله، سيبقى يوماً من أيام عبدالعزيز الخالدة. ولولا عناية الله، التي حفظت عبدالعزيز، إلى أن تم التوحيد، لكان ما نعرفه الآن باسم المملكة العربية السعودية، أقاليم مشرذمة، أكثرها أفقر من أفقر دول أفريقيا الاستوائية، وقبائل متقاتلة يرأس كل منها «أمير» يحارب حروباً قبلية وإقليمية متواصلة. وقد تعرض الملك عبدالعزيز للموت، نحو بضع عشرة مرة، بعد دخوله الرياض وجرح جروحاً بالغة في معارك عدة من معارك التوحيد. ومن يراجع أسماء الستين رجلاً، الذين دخلوا معه الرياض، رحمهم الله جميعاً، سيجد أن نحو ثلثهم، بمن في ذلك الأمراء عبدالعزيز بن جلوي، وعبدالله بن سعود بن صنيتان، وفهد بن جلوي، وفهد بن إبراهيم بن مشاري، والفارس المقدام فهد بن عبدالعزيز بن معمر، راعي «الجلابية» وهو اسم فرسه، جميعاً قتلوا أثناء معارك التوحيد، وقبل إعلان توحيد الأقاليم الشاسعة والقبائل المتناحرة التي تعودت على السلب والنهب والقتال خلال مئات السنين التي سبقت تأسيس المملكة العربية السعودية. *** ولا يقل رجل من الرجال الذين دخلوا مع عبدالعزيز الرياض عنه، والذين قتلوا قبل توحيد البلاد، في الشجاعة ولا في اتقان فنون الحرب. والذي حفظ عبدالعزيز حياً حتى يكمل التوحيد، ويشرف على تأسيس مؤسسات مهمة جداً كمجلس الشورى، ودار المعارف، والبرق والتلغراف، وغيرها الكثير، هي الإرادة الربانية التي بعثت ذلك الرجل الذي وهبه الله كل الصفات التي جعلت منه قائداً أكبره وأجله وأعانه غالبية من عرفوه. *** يقول المفكر المصري الكبير، الأستاذ عباس محمود العقاد، الذي قضى بضعة أيام مع لياليها برفقة الملك عبدالعزيز، رحمهما الله، بعيد الحرب الكونية الثانية، والسعودية، ما زالت فقيرة، أكثر مواطنيها من الأميين، ولا مطامع فيها من الأستاذ العقاد أو من غيره: «بطل الأمة من الأمم، وهو الرجل الذي يستجمع في شخصيته صفاتها ومزاياها، على أتمها وأوضحها وأقواها، فهو مرشح بالفطرة لحكمها وقيادتها، وهي في هذه الحالة إنما يحكمها بنفسها وبمحض إرادتها حين يحكمها بأبرز صفاتها وأقوى مزاياها». *** وما هي هذه الصفات التي تحدث عنها الأستاذ العقاد، والتي رأى أن الملك عبدالعزيز، تميز بها عن بقية رجاله الذين رافقوه وعضدوه في أيام الرخى والشدة ومنذ محاولة دخوله الرياض في عام 1901 وحتى بعد نجاحه في دخولها في عام 1902، والى يوم وفاته رحمه الله، في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1953؟ - كان شجاعاً مقداماً ومعه رجال لا يقلون عنه شجاعة وإقداماً. - كان كريماً ومعه رجال لا يقلون عنه كرماً. - كان قوي الاتكال على الله، إذا قرر نفذ، وكان من معه رجال شاركوه هذه الصفة. - كان داهية ومعه رجال دهاة. - كان رجلاً طويلاً قوياً لا يقوى على حمله إلا أنجب نجائب الخيل والهجن وكان معه رجال آخرون أقوياء. وربما ان الذي أراد الأستاذ العقاد قوله، وهو بالطبع لم يعرف إلا عدداً صغيراً محدوداً جداً من رجال عبدالعزيز، أن ذلك الملك البطل، الذي رافقه توفيق خالقه له منذ نعومة أظفاره، هو الوحيد بين قومه بعامة وبين رجاله بخاصة، الذي اجتمعت في شخصه وفي شخصه فقط الصفات التي يعتز بها قومه «صفاتها ومميزاتها على أتمها وأوضحها وأقواها» كقوة الإرادة، والثقة في الخالق والثقة بالنفس، والشجاعة، وكرم النفس ونبلها في العفو عند المقدرة. *** ويشهد الله أن كل سعودي في يومنا هذا مدين لعبدالعزيز، أكثر من أي رجل آخر، في وجوده في وطن موحد آمن، لا فضل لأحد عليه. وقد يكون الإرهاب باسم الإسلام أكبر تحد تواجهه السعودية في يومها الوطني بعد 77 سنة ميلادية و79 سنة هجرية منذ تأسيسها. وقد يكمن خطر الإرهاب الأشد ليس في كهوف أفغانستان وباكستان، وإنما في عقول الصامتين عنه والاعتذاريين له. ولذلك يفرض الواجب «الوطني» بل و»الديني» على كل سعودي خصوصاً الخطباء والدعاة إلى المعروف وغيرهم من قادة الرأي محاربة «فكر الإرهاب»، وفضح كل متعاطف مع الأحزاب التي خرج من عباءتها «الإرهاب»، الذي لبس كما لبست الأحزاب التي ولد في أحضانها كساء «الإسلام». والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي.