كشف مسؤولون أمنيون بريطانيون عن أن عدد «الجهادين البريطانيين» الذين شاركوا في الحرب السورية خمسة أضعاف ما كان يُعتقد في السابق. وأوضحوا أن نحو 250 منهم عادوا الآن إلى بريطانيا، ما يشكّل تهديداً كبيراً على الأمن البريطاني بعد أن تلقى هؤلاء تدريباً عالياً على القتال. وقال مسؤولون في الشرطة البريطانية وفي جهاز المخابرات الداخلية (MI5)، إنهم أحبطوا في خريف العام الماضي مؤامرة خطيرة دبرتها خلية من «الجهاديين العائدين» كانت تهدف إلى قتل مدنيين في مكان عام، بطريقة شبيهة بالهجوم الذي تعرضت له مدينة مومباي في الهند. وأوضح المسؤولون أن السلطات الأمنية البريطانية تراقب من قرب هؤلاء العائدين من سورية إلى بريطانيا، خصوصاً المخضرمين منهم، الذين سبق وشاركوا في عمليات قتالية في أفغانستان وباكستان، لاعتقادها بأنهم يدبّرون هجمات داخل بريطانيا أو يحرّضون غيرهم على القيام بهذه الهجمات. وكانت السلطات الأمنية أبلغت مجلس الوزراء البريطاني أن أكثر من 400 «متطرف يقيمون في بريطانيا» ذهبوا إلى سورية خلال العامين الماضيين، وأن نحو 20 منهم قتلوا هناك بينما لا يزال أكثر من مئة يقاتلون في سورية. ونقلت صحيفة «صنداي تايمز» عن أحد كبار المسؤولين الأمنيين في لندن قوله، إن «أكثر من نصف الذين ذهبوا إلى القتال في سورية عادوا الآن إلى بريطانيا»، وإن جميعهم قضى وقتاً في «معسكرات الإرهاب» وتدربوا على القتال. كما أعلن وزير الدولة لشؤون الهجرة بوزارة الداخلية البريطانية، جايمس بروكينشاير، أن زيادة الموازنة المخصصة للأمن ترتبط بشكل أو بآخر بما يحدث في سورية، مشيراً إلى أن أجهزة الاستخبارات البريطانية تعد لعملية طويلة الأمد. وقال إنه «من المتوقع أن تلازمنا المخاوف الأمنية بشأن سورية لفترة في المستقبل المنظور». وأضاف أن ذلك من شأنه أن يزيد الأعباء على الأجهزة الأمنية والشرطة التي يتعين عليها أن «تظل يقظة طوال الوقت سواء في الداخل أو على الحدود في مراقبة حركة السفر من وإلى سورية بما يكفل الحفاظ على الأمن القومي» البريطاني. ومن بين العشرين بريطانياً الذين قتلوا في سورية، كان عبد الوحيد مجيد (41 عاماً) من مدينة كراولي في مقاطعة ويست ساسكس، أول انتحاري يفجّر نفسه في شاحنة مفخخة اقتحم بها أحد السجون في مدينة حلب ما سمح لعدد من السجناء التابعين للمعارضة المسلحة بالهروب من السجن. لكن الحكومة السورية ادعت في ما بعد أنها أعادت غالبية الهاربين إلى السجن بعد معركة دامت يوماً كاملاً. وكان مفوض شرطة «سكوتلاند يارد» البريطانية، بيرنارد هوغان هاو، حذر أيضاً الأسبوع الماضي من خطورة «الجهاديين العائدين» من الحرب في سورية إلى المدن البريطانية. وقال إن «بضع مئات من البريطانين ذهب إلى سورية خلال عامين، وبعض هؤلاء قُتل هناك، لكن البعض الآخر سيعود إلى بريطانيا بعد أن تعلم التطرف ومهارات قتالية تسمح لهم إما بالقيام بأعمال إرهابية داخل بريطانيا أو تدريب شبكة من الشباب على استخدام السلاح، وهذا هو هاجسنا الأكبر». غير أن بعض السياسيين البريطانيين نوّه إلى أنه «ليس كل العائدين من القتال في سورية يشكّل خطراً علينا أو يخطط لأعمال إرهابية، فكثيرٌ منهم لن يرغب حتى في تذكر ما رآه هناك. لكن البعض الآخر سيواصل نشاطه». وأضافوا أن غالبية ال 400 بريطاني الذين ذهبوا إلى سورية قضوا بعض الوقت في ما أسموه «معسكرات الإرهاب» في شمال سورية قرب الحدود التركية، حيث تلقوا تدريباً بجانب مئات المتطوعين القادمين من دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا. وقال المسؤولون البريطانيون إن هذه المعسكرات يديرها متشددون تابعون لتنظيم «القاعدة». وأضافوا أن انعكاسات الحرب السورية على الأمن في بريطانيا لا تأتي فقط من العائدين إلى بريطانيا بل أيضاً من البريطانيين الموجودين في معسكرات التدريب في سورية لكنهم يرشدون زملائهم من الأوروبيين الآخرين ويعطونهم إرشادات عن بريطانيا تتعلق بالأماكن التي يمكن استهدافها والأساليب التي تستخدمها الشرطة البريطانية في إحباط أي هجمات داخل المدن. وأشار المسؤولون إلى أن بعض البريطانيين الذين ذهبوا إلى سورية قضوا فيها فترة قصيرة لا تتعدى أسبوعين، بينما قضى الآخرون شهوراً. وأضافوا أن كثيراً منهم سافر في رحلات جوية مباشرة من لندن إلى أسطنبول، وعلى رحلات جوية رخيصة مثل شركة «إيزي جت»، ثم ذهبوا من إسطنبول براً إلى الحدود السورية حيث يلتقون بأشخاص يدبرون دخولهم إلى الأراضي السورية. كما أن إحدى الطرق التي دخل بها البعض الآخر إلى سورية كان عبر الانضمام إلى حملات المساعدات الإنسانية التي نظّمت بريطانيا أربعاً منها حتى الآن، وكانت كل حملة تضم عشرات الشاحنات التي دخلت إلى الأراضي السورية. وقالت مفوضية المساعدات الإنسانية البريطانية إنها تراقب نشاط تسع مجموعات إسلامية جمعت تبرعات لعمليات الإغاثة في سورية، لكن عشرات الآلاف من الدولارات صُدرت من شاحنات الإغاثة القادمة من بريطانيا في طريقها إلى سورية.