يعبر مهرجان الجنادرية عاماً بعد عام محاولاً إثبات أن الماضي العريق يقف وحيداً كصانع التشكيلة المتنوعة المختلفة على الخريطة الوطنية واعتباره الامتداد الطبيعي لما نحن عليه الآن، ويعمق من خلال أكثر من مربع تداعيات وأبعاد الجملة الشهيرة التي تقول «أمة بلا ماضي.. أمة بلا مستقبل». التراث يحكي بصمت قصة وجودنا، ويشرح للأحياء سيرة فكرية عملية لجيل ذهب جسداً وصوتاً وبقي فعلاً وفكراً وصورة، ينقل بعض ما يندرج في خانة المستحيل إلى الجيل الجديد الذي لم ولن يستوعب بسهولة كيف عاش الجيل الماضي وفق الظروف القاسية المحيطة، وبماذا استطاع تحويل محنه المتتالية إلى منح بالجملة، وفوق ذاك تعايش معها بسعادة مطعمة بالشقاء واللذة، وقدمها في تاريخ من الذكريات الطاعنة في الجمال والطاحنة في القسوة. لنا أن نعرف ببراءة ما هو تأثير مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة على الجيل الجديد إذا ما توقعنا وآمنا أنه المعني الأكبر به والمستهدف بالمحتوى السنوي من أنشطته وفعالياته، لن أتجاوز عن السطر الأبلغ من هذا المهرجان وهو تقديم مشروعنا الإنساني والتنموي ابتداء من نقطة الصفر لنقطة اليوم، وطرح رسالة بالغة العمق عن جباه كان عرق جبينها فاتحة الارتقاء والنقاء. أعود إلى المفصل من المساحة.. لماذا يذهب الشاب إلى الجنادرية، وماذا يشدهم في ممراتها وأركانها وزواياها؟ هل هو التراث الذي يسمع عنه ولا يشاهده سوى في أروقة هذا المهرجان؟ أم الثقافة التي يتناقلها بخجل وظن أنها مرتبطة فقط بالتراث؟ عرض التجربة ذات ال29 عاماً من الثبات والتنوع ومحاولة التغيير وبث التنافس بين منطقة ومنطقة مطلوب حتى لا يصبح المهرجان استنساخاً لأخيه السابق، أو تجولاً في دائرة مغلقة. يجب أن تُكتشف وتُعرف علاقة الجيل الحالي بهذا المهرجان، فلا أظنه معقولاً أو مناسباً أن ينحصر رضا الجيل أو لا يجلبه للمتعة سوى رقصة شعبية، ونحن المؤمنون أن الجيل الراحل لم يكن مصافحاً للفن الشعبي إلا بمقدار ما يعمق فيه الفرح والبهجة ويؤثث روحه بملذات قيمة التراب والأرض. ليت أن بيدي استنطاق الشباب وتركهم في مساحة حرة من التعبير عن المهرجان، وأثق بأنه لو كان ثمة تفاؤل في الإجابات وحرية في الحديث فسيتفوق فيها شباب الرياض كون المهرجان بالقرب منهم، إنما بقية شباب المدن وجيل التواصل الرقمي والعالم الافتراضي ينتظرون بشغف لحظة الأوبريت فهم يرون فيها مختصراً عن المشهد بالكامل. الجيل لن يؤمن بالتراث وهو حكر على العاصمة، ولن يعترف بالثقافة وهي تجاور - عبثاً - التراث، هو في حاجة إلى ربط عالٍ بينهما أو فصل احترافي لهما، على الأقل ليصل التراث أولاً ومن ثم نطعمه بالثقافة، لنشعل التراث في المدن قبل أن ننتقل به إلى العاصمة كفرض عين، فمن لم يلامس تراثه في مكانه لن يتكبد الطريق كي يعرفه في الرياض. [email protected] alialqassmi@