«روافد» قناة «العربية» لا تدوم طويلاً، لا تتجاوز العشرين دقيقة إلا بقليل. كأنهم يخشون على مشاهديهم من البرامج الثقافية، من أن تكون مصدر ملل. ثمة فواصل تتخللها، قصيرة صحيح، لكنها تزيد في قصر الوقت المخصص للحوار. يقسمونها أحياناً على حلقتين للضيف نفسه. في الحلقة الأخيرة كان الحوار مع الروائية والكاتبة السورية لينا هويان الحسن. من لا يعرف جيداً تلك الكاتبة سيجد متعته في هذا الحوار. ففي هذا النوع من اللقاءات الثقافية يتعرف المشاهد الى ضيف قد يكون سمع باسمه، بيد أنه لا يذكر كيف ولما ومتى، أو انه يعرفه بعض الشيء من خلال قراءاته له إن كان كاتباً، لكن معرفته لا تتجاوز النص. تكشف هكذا برامج عوالم الضيف وتساعد على فهم أعمق لانتاجاته. «روافد» في حلقتيه عن الروائية السورية، نجح في تحقيق هدف يتوخاه أيّ برنامج ثقافي، في إعطاء فكرة واضحة عن الكاتبة وفي التعريف بعوالمها. كما تمكّن من إثارة فضول المشاهد ليتعرف أكثر الى الشخصية المستضافة، فأي برنامج لن يتوصل تماماً للإلمام بكل تفاصيل من يستضيفهم بل ينجح أو لا ينجح في تحفيز المشاهدين للذهاب أبعد مما يقدمه لهم، أو على العكس في الاكتفاء بما شاهدوه. الضيفة قدمت وصفاً شاعرياً لهذا «العالم المجهول والمنسي»، عالم البدو الآتية منه، للبدوي الذي يعيش الأشياء في حدها الأقصى «فكل شيء متطرف مبهر في عالمه: الشمس، الحرّ والفرس، لا توسط عند البدوي» تقول بإعجاب. تحدثت الحسن عن البادية «التي تمنح حرية يصعب على أي مكان آخر أن يمنحها. عن خسارة عالم البدو هذا والذي تقدمه الدراما العربية بشكل نمطي ومستهلك حيث العشق والثأر... كما حكت عن الرواية التي يكتبها «الحزينون» فالمشغول بالفرح لا يكتب. ركزت الحلقتان على النص أكثر من تركيزهما على الحياة الخاصة للضيفة، وأضافت قراءات الكاتبة لنصوصها معرفة ومتعة للمشاهد. وأثار المحاور أحمد علي الزين «الجرح السوري»، كما تحدث عن عمل الكاتبة في ما سبق في صحافة النظام إنما بأسلوب هادئ لائق بعيد عن الاستفزاز. برنامج ممتع رغم بعض الثغرات أحياناً، وأحياناً فقط، وهذا حين كان المحاور يطرح سؤالاً جديداً فيما لدى المشاهد شعور بأن الكاتبة لم تكمل حديثها بعد. كذلك تبدو المشاهد الخارجية مفتعلة وليست من صميم حياة الضيف، كالمشي في الشارع أو التأمل في البحر... كان يمكن على سبيل المثال اختيار أماكن معينة يحبها الضيف أو تعنيه ليروي علاقته بها... وإلا فالسير هكذا على الرصيف لا يعطي فكرة سوى عن مدى أناقة أو لا اناقة الضيف! أمر لا يستهان به ربما!