إنّ طرح مفهوم الريادة حالياً في لبنان يبدو كأنّه موضوع خارج السياق في ظلّ الأزمات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية. وإقناع الطلاب الذين لا يزالون على مقاعد الدراسة بأنّ الريادة في مجال الأعمال ممكنة في لبنان يبدو أيضاً مهمّة شاقة وصعبة، لأنّ لا شيء يُخفى عليهم وهم يشاركون أهلهم مشاكل الحياة اليومية والصعوبات المعيشية التي يواجهونها. لكن على رغم ذلك، لا تزال هناك جهات في لبنان تعمل على إحياء هذا المفهوم وتعليمه للأجيال الصاعدة لكي تسلك طريقاً مخالفة للهجرة أو البطالة، فتمسك زمام الأمور بيديها بدل أن تستسلم لواقع الحال. وهذا هو فحوى المشروع الذي أطلقه المركز التربوي للبحوث والإنماء بالتعاون مع جمعية التنمية للإنسان والبيئة (DPNA) تحت عنوان «تعليم الريادة... نحو مجتمع ريادي»، إذ يسعى من خلاله الى إدماج مفهوم ريادة الأعمال بالمناهج الدراسية من الصف الأول وحتّى الثالث ثانوي. تدرّج تشرح رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء ليلى مليحة فياض أنّ مفهوم الريادة يشغل العالم لما له من تأثير في الاقتصاد والعمل. وحتّى التربويون أجمعوا على ما لهذا الموضوع من أهمية في تربية الأجيال عليه. لذا فإنّ المركز عمل على إدخال المفهوم في مناهج التعليم سواء ما قبل الجامعي أو التعليم المهني والتقني، من خلال دمجه ضمن مواد تعليمية كمادة الاقتصاد والتكنولوجيا. وتؤكد فياض أنّ إدخال مفهوم الريادة في المراحل التعليمية المتعدّدة سيكون متدرّجاً، عبر مقاربة الموضوع من خلال أنشطة حول المبادئ العامة والأساسية في المرحلة المتوسطة والتركيز على المهارات الحياتية في المرحلة الثانوية، وصولاً إلى تعمّق أكبر في المفهوم ضمن المرحلة الجامعية. وما تشير إليه فياض هو أنّ المشروع نتاج خبرة لبنانية، ولم تتمّ الاستعانة بأي خبراء دوليين لوضع مبادئه وأطره. خوض الأخطار المحسوبة لا يبقى مفهوم الريادة نظرياً ضمن المشروع التعليمي الذي أخذ مجراه في المدارس اللبنانية. فكما يوضّح المسؤول عن المشروع في «جمعية التنمية للإنسان والبيئة» حازم صالحة، فإنّ هذا المشروع يمكّن الطلاب من فهم الواقع الاقتصادي وكيف ينشأون ويديرون مشاريع خاصة وصغيرة ومتوسطة قبل دخولهم إلى الجامعات، وهو ما يترافق عادة مع دخولهم سوق العمل. ويسعى المشروع، وفق صالحة، إلى إيجاد بيئة اجتماعية حاضنة ومتفهّمة لفكرة الريادة وداعمة للرياديين وأصحاب الأفكار الخلاّقة. فالدول كلّها تحتاج إلى برامج تظهر للشباب كيف يمكنهم أن يساهموا مباشرة في رفع مستويات المعيشة والرفاهية، كما يقول صالحة، وهذا يبدأ داخل الصفّ حيث يتعلّم الطلاب كيفية تحمّل مسؤولياتهم كمواطنين. أمّا التأثير المباشر لإدماج الريادة ضمن المناهج التعليمية فيتجلّى في قدرة الطلاب على تحويل الأفكار الى أفعال، تحفيز الإبداع والابتكار، دفع الطلاب إلى خوض الأخطار المحسوبة، إضافة إلى القدرة على التخطيط وإدارة المشاريع. وعلى رغم وجود عوائق أكاديمية تعترض المشروع مثل عدم توافر كادر تعليمي لمادة التكنولوجيا الأساسية ضمن مشروع الريادة، يؤكد صالحة أنّ الاساتذة الذين شاركوا حتّى الآن في ورشات التدريب الخاصة كانوا متجاوبين جداً، ووجدوا أنّ هناك ضرورة لطرح الواقع الاقتصادي على الطلاب. وإذا كان هذا المشروع يبدو حاملاً أفكاراً مختلفة عن الواقع الذي تعيشه الفئة الأكبر من الشباب اللبناني الجاهز للهجرة أول ما يتسلّم شهادته أو حتّى قبل ذلك، يرى صالحة أنّ هذه الخطوة ضرورية لبناء بيئة اجتماعية حاضنة لفكرة الريادة وفي الوقت ذاته الضغط على أصحاب القرار لتحسين القوانين الناظمة لبيئة الاستثمار في لبنان، ما يساعد الرياديين على إنشاء مشاريعهم ويقلّل العوائق التي يمكن أن تقف في طريقهم. وقد وضع القيّمون على المشروع أمامهم فترة زمنية لتحقيق تغيير اجتماعي ملموس هي عشر سنوات. ويحاولون ألا يتأثروا بالوضع السياسي المضطرب والتوتر الأمني، بل العمل بصمت لإحداث تغيير حقيقي في الوعي العام.