أثارت مداخلات أعضاء مجلس الشورى السعودي مزيداً من الغموض حول ما يحاك داخل المؤسسة العامة للتقاعد، لاسيما بعد أن أسقط المجلس توصيتين بطريقة مريبة جراء إثارة للشوشرة وخروج 32 عضواً أثناء التصويت، إضافة إلى تقديم معلومات مضللة من لجنة الموارد البشرية الرافضة للتوصيتين، الأمر الذي دعا العضو خضر القرشي أن يعتبر الرفض «إجباراً للموظف الحكومي على البقاء في وظيفته قسراً عبودية مطلقة». وقدم الأعضاء مؤشرات خطرة في جلسة الشورى أمس (الثلثاء) حول وضع مؤسسات التقاعد، مشيرين إلى أن العجز المالي فادح في موازنة صندوقها، وأن رفض مجلس الوزراء لقرار دمج مؤسسات التقاعد (المدني، العسكري، الخاص) قبل 15 سنة، تم لأن الصورة لم تكن واضحة أمام أصحاب القرار حينها. وأكد الأعضاء بعد اطلاعهم على دراسة إكتوارية حديثة عن صندوق مؤسسة التقاعد، أن ضعف عائداته الاستثمارية التي لا تتجاوز 5 في المئة لن تمكّن المؤسسة من الوفاء بالتزامات المتقاعدين خلال السنوات القليلة المقبلة. وثار الجدل حول توصيتين إضافيتين، الأولى تدعو إلى منح خيار التقاعد النظامي أمام الموظف الحكومي بعد سن ال55 وخدمة 25 إذا كانت لديه قدرة على تسديد كامل الفترة المتبقية للتقاعد النظامي، والثانية تدعو إلى دمج مؤسسات وأنظمة التقاعد في كيان واحد. وقال العضو الدكتور خضر القرشي إن الرافضين لمنح الموظف الحكومي خيار التقاعد المبكر يذكرونه بشروط «الماء الطهور والطاهر»، معتبراً إياهم لا يريدون التجديد في الدماء أو حل أزمة الجمود الوظيفي أو البطالة، مضيفاً: «لماذا يجبر من لا يرغب في الوظيفة الحكومية على البقاء رغماً عنه، والتوصية تمنحه شراء بقية مدته النظامية؟ هذه عبودية مطلقة». ولم ينجح مقدم توصية التقاعد المبكر المشروط الدكتور خالد آل سعود في إقناع أكثر من 64 عضواً (النصاب القانوني 76 صوتاً) بأن ذلك سيوفر 20 بليون ريال في موازنة الدولة العامة، وسيسهم في رفع متوسط سنوات الخدمة التي يعيشها الموظف في فترة خدمته من 22 إلى 25 عاماً، طبقاً لحديثه مع مسؤول في المؤسسة العامة للتقاعد. لكن مبررات رئيس لجنة الموارد البشرية الدكتور محمد آل ناجي لم تبد مقنعة للأعضاء بسبب رفضه مقترح التقاعد المبكر إذ قال: «التوصية تحث على التقاعد المبكر، واللجنة تدرس مقترح مكافأة نهاية الخدمة، وفي حال إقراره سيكون كافياً لتشجيع الموظفين على التقاعد المبكر». وارتفع سقف الجدال بعد أن كشفت الدكتورة مستورة الشمري تضليل لجنة الموارد البشرية بعد تقديمها معلومات مغلوطة للأعضاء، قالت فيها: «إن قرار مجلس الوزراء عام 1420 كان رافضاً لدمج مؤسسات وأنظمة التقاعد»، وأوضحت الشمري أن قرار مجلس الوزراء أدرجت فيه توصيات ثلاث لجان تؤيد الدمج، الأولى فريق من اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري شُكل في معهد الإدارة العامة، عقبها لجنة تحضيرية لمجلس الوزراء أوصت بالدمج، وعندما وصلت إلى اللجنة التنظيمية في مجلس الوزراء ارتأت التأني في قرار الدمج وليس رفضه كلياً. وأوضحت عضو لجنة الموارد البشرية الدكتورة دلال الحربي ل «الحياة» أن اللغط تركز في دمج توصيتين، إحداهما لدمج الهيكل التنظيمي للمؤسسة، والأخرى لأنظمة التقاعد. وأفادت بأن هذا اللغط هو ما أربك عملية التصويت في المجلس، مضيفة: «قرار رفض دمج مؤسسات التقاعد كان رداً على إجابة مسؤولي المؤسسة، وليس لدينا علم بمحاضر اللجان الوزارية المؤيدة للدمج». واتفق أعضاء على أن دمج المؤسستين يحقق العدالة الاجتماعية والمساواة بين موظفي الدولة والقطاع الخاص، وهو ما يعمل به في جميع الدول المتقدمة ودول مجلس التعاون وبعض الدول العربية. وكان من أبرز المؤيدين لدمج مؤسسات التقاعد، رئيس التأمينات السابق سليمان الحميد، الذي أكد عدم وجود مبرر لتفريق المؤسستين، وأن قرار مجلس الوزراء قبل 15 عاماً اتخذ لأن الصورة لم تكن واضحة أمام متخذي القرار. وأبدى أعضاء المجلس في حديث ل«الحياة» عقب الجلسة، ملاحظات كثيرة على نظام التقاعد، واصفين إياه بالمتهالك والركيك. وأشاروا إلى أن أعضاء منهم يعملون على تعديل نظام التقاعد الحالي، وسيعرضونه قريباً تحت قبة الشورى. أحداث غامضة خلال مناقشة تقرير «التقاعد» بدأ الغموض الذي شاب تقرير المؤسسة العامة للتقاعد قبل الجلسة، إذ تم تسريب معلومة نشرت في الصحافة المحلية تفيد بسرية الجلسة، ومنع الصحافيين من حضور المناقشة كما حصل أثناء مناقشة التقرير في الشهر الماضي، بيد أن الجلسة كانت مفتوحة، وتفردت «الحياة» بحضور أحداث الجلسة من أولها. وعلى رغم أن البنود المعروضة على جدول أعمال المجلس أمس كانت تستدعي اكتمال النصاب القانوني، إلا أن جرس النداء لم يتوقف وغاب 32 عضواً أثناء التصويت على توصيات إضافية تقدم بها أعضاء بعد أن رفضتها لجنة الموارد البشرية، ما أخل بنسبة التصويت، ولم تنجح التوصيات بالنصاب القانوني الذي ينص على موافقة 76 عضواً على الأقل، لتسقط توصيات دمج مؤسسات التقاعد والتقاعد المبكر المشروط، على رغم أنها حظيت بموافقة أغلبية الحاضرين في الجلسة. من جهة أخرى، سقطت توصية تقدمت بها لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية، طالبت فيها باعتماد وظائف لمراقبي المساجد، وكان أبرز الرافضين لهذه التوصية اللواء حمد الحسون، بحجة أن جميع السعوديين مسلمون وكلهم مراقبون. وأقر المجلس توصيات اعتماد مبالغ لوزارة الشؤون الإسلامية لتوظيف أئمة ومؤذنين، وتنفيذ برامج دعوية لمحاربة الغلو والتطرف.