كثرت أخيراً الأخبار الإعلامية عن وجود مبادرات لحل الأزمة السورية، واحدة حملت عنوان «موسكو1»، وأخرى حملت تواقيع مصرية وغير مصرية، وثالثة حملت توقيع ستيفان دي مستورا ومجلس الأمن الدولي. وترافقت هذه الأخبار مع تحركات ديبلوماسية ناشطة لممثلي الدول الأكثر تأثيراً في الأزمة السورية بما يوحي فعلاً بوجود مبادرات. بيد أن واقع الحال مختلف كثيراً ويقول إن لا مبادرات جديدة سوى مبادرة دي ميستورا، وإن تصريحات بعض المسؤولين الروس أو الأميركيين أو غيرهم لا تعدو كونها نوعاً من إشغال الفضاء الإعلامي بالأزمة السورية كتغطية على قضايا أخرى تشكّل موضع اهتمامات جدية أكثر بالنسبة إليهما، وهي بصورة خاصة قضية الملف النووي الإيراني، وقضية أوكرانيا، وقضية «داعش» وأخواتها. نسِبت إلى الروس تسريبات إلى هذا الفضاء الإعلامي تقول إن موسكو تعمل على جمع المعارضة السورية التي تقبل بالحل السياسي مع ممثلين للنظام السوري في موسكو، ودعمت هذه التسريبات - الإشاعات وقائع تتعلق بزيارة معارضين سوريين وديبلوماسيين موسكو، مثل زيارة السيد معاذ الخطيب برفقة عدد من المعارضين، وزيارة وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل، وزيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين بدلاً من وزير الخارجية سيرغي لافروف. ومع أن الخطيب أعلن أن ليس هناك مبادرة روسية، وأن ما رشح عن زيارة الأمير سعود الفيصل موسكو من أن الدولتين معنيتان بالاستقرار في الشرق الأوسط والتي فسّرها الإعلام على طريقته كنوع من تأكيد وجود مبادرة روسية، بل واسترسل في الحديث عن بعض تفاصيلها من قبيل تأليف حكومة وحدة وطنية، بصلاحيات كاملة باستثناء إبقاء تبعية الجيش والأمن للرئيس على أن تتولى هذه الحكومة محاربة «داعش» والقوى المتطرّفة الأخرى، وأن تعدّ خلال سنتين دستوراً جديداً، أو أن تجري تعديلات جوهرية على الدستور القائم المعمول به، وفي نهاية فترة السنتين تُجرى انتخابات برلمانية ورئاسية يسمح لبشار الأسد بالمشاركة فيها. من جهة أخرى، فإن التسريبات التي تنسب إلى المصادر الأميركية لا يقل دورها عن مثيلتها الروسية في تضخيم وهم الحل السياسي القريب للأزمة السورية، مدعومة هي الأخرى بجملة من الوقائع المتناقضة، تتعلق أساساً بلقاء كيري ولافروف الأخير في بكين، والاتصالات الهاتفية المتكرّرة بينهما، بل أيضاً باللقاء الأخير للرئيس الروسي مع الرئيس الأميركي على هامش قمة العشرين، والذي قيل إنه بحث إلى جانب قضايا أخرى في قضية التسوية السياسية المحتملة في سورية. يضاف إلى ذلك تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين التي حملت رسائل متناقضة في شأن الوضع في سورية، حتى قيل إن هناك شبه صراع بين وزارة الخارجية الأميركية وطاقم أوباما للأمن القومي. ففي حين ترى وزارة الخارجية أنه لا يمكن محاربة «داعش» وهزيمتها طالما بقي الأسد في السلطة، فإن وزير الدفاع (المستقيل) تشاك هاغل يصرح في جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس أن الإستراتيجية الأميركية لا تستهدف إسقاط نظام بشار الأسد، بل محاربة «داعش» والقوى الإرهابية الأخرى، وتساءل بنوع من الاستغراب، إذا «أسقطنا بشار الأسد ما هو البديل؟» وأجاب أن لا بديل سوى «القوى الإرهابية المتطرفة». وسبّب هذا الكلام للإدارة ولوزارة الخارجية على وجه الخصوص إحراجاً وكان من جملة الأسباب التي أُقيل من أجلها. وشكّلت مصر خلال الأسابيع الماضية مصدراً لإشاعات كثيرة تتعلق بقرب إعلانها عن مبادرة سياسية لحل الأزمة السورية. وهنا أيضاً عُمل على تدعيم هذه الإشاعة إعلامياً بالقول إن المبادرة المصرية تلقى دعماً من السعودية وإيران، وأخذ يسهب في تفاصيلها. ووفق ما نشر عن هذه المبادرة المصرية المزعومة فإن الرئيس السوري يتنحى ويتم الحفاظ على الدولة السورية بما في ذلك مؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية وتشكّل حكومة وحدة وطنية تحكم البلاد، وتتعهد عندئذ دول الخليج العربي إعادة إعمار سورية خلال مدة لا تزيد عن عشر سنوات. مما لا شك فيه أن الحديث عن ضرورة الحل السياسي في سورية تزايد خلال الأشهر الأخيرة خصوصاً بعد تنامي خطر «داعش» و«النصرة» وغيرهما من القوى المتطرّفة في سورية على كل دول المنطقة، لكن ليست ثمة مبادرات حقيقية سوى مبادرة دي مستورا المفوض الدولي في شأن سورية. وقد صرّح الأخير أنه سوف يعتمد على «بيان جنيف1» أساساً لحل الأزمة السورية، لكنه سوف يبحث عن مداخل ومقاربات جديدة مختلفة عن تلك التي انتهجها سلفاه، كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، سمّاها «الحل من تحت إلى فوق». وفق خطته هذه للحل من «تحت إلى فوق» سوف يقترح تجميد القتال في مناطق مختارة (حلب كبداية)، ومن ثم تعميم ذلك على بقية مناطق سورية، يلي ذلك البدء بحل المسائل ذات الطابع الإنساني ومن ثم جمع السوريين، موالين ومعارضين، بمن في ذلك ممثلون للمقاتلين على الأرض في مؤتمر للحوار يفضي إلى تطبيق إعلان «جنيف1». للوهلة الأولى تبدو هذه الخطة منطقية لكنها سوف تواجه عقبات كثيرة: أ- قد يوافق النظام والمعارضة المسلحة على تجميد العنف في حلب نظراً إلى توازن القوى فيها، لكن سوف يصعب إقناعهم في تجميد القتال في المناطق التي يحقّق كل منهم نجاحاً فيها. ب- كيف سيكون الموقف من المقاتلين غير السوريين، سواء الذين يقاتلون إلى جانب النظام أم إلى جانب المعارضة السورية المسلحة؟ وعلى افتراض أن النظام يستطيع تنفيذ التزاماته في هذه المسألة، فمن المشكوك فيه إقناع المقاتلين الأجانب بذلك. ت- قد يوافق المقاتلون السوريون المحليون على خطة دي مستورا لتجميد القتال، لكن من الصعوبة تصور موافقة «داعش» و»النصرة» والمجموعات الجهادية المتطرفة الأخرى على ذلك، فهي تقاتل من أجل مشروعها السياسي والأيديولوجي الخاص. ث- العقبة الأخرى التي سوف تعترض دي مستورا، وهي حاسمة أيضاً، تتعلّق بموافقة دول الجوار الإقليمي الأساسية وخصوصاً تركيا والسعودية وإيران على هكذا خطة، على افتراض أن مجلس الأمن يدعمها كما قال دي مستورا نفسه. ليس خافياً الدور الحاسم الذي يمكن أن تؤديه الدول الإقليمية المشار إليها، وخصوصاً المملكة العربية السعودية وإيران في حل الأزمة السورية، وهذا ما نصح بالعمل عليه السيد الأخضر الإبراهيمي قبيل تركه مهمته في سورية. * كاتب سوري