السؤال الطبيعي الذي قفز الى الأذهان بعد اللقاء الذي وصفته المصادر السورية بانه كان «ايجابياً ودافئاً» بين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس بشار الأسد، هو كيف ستتم ترجمة لقاء جدة سواء في لبنان أو في المجال الإقليمي؟ وما لم تحققه السياسة حققه العلم عبر اللقاء الجامع بمناسبة افتتاح جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية، هذا الصرح العلمي المميز. لا شك أن زيارة الرئيس السوري للسعودية منحت جرعة كبيرة لعلاقات البلدين والتي شهدت في الأسابيع الأخيرة بعضاً من الاسترخاء حتى لا نقول الجفاء، أو اعتراها بعض البرودة. على صعيد الواقع اللبناني يمكن التأكيد أن مراحل تأليف الحكومة الجديدة، التي شهدت الكثير من التشنجات، اتخذت نهجاً جديداً في الشكل وفي المضمون. وفور عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من زيارته الأخيرة الى السعودية باشر الاستشارات الآيلة الى تأليف الحكومة بعد انقضاء أربعة وسبعين يوماً على التكليف الأول والذي انتهى باعتذاره عن التأليف. وحتى كتابة هذه السطور كانت الأجواء الإيجابية ترخي بظلالها على الواقع اللبناني العام، الأمر الذي يشير الى قرب ظهور ولادة الحكومة. علماً أن التناقضات على الساحة اللبنانية لا تسمح بمغامرة المبالغة في التفاؤل. وبقطع النظر عن الخوض في زواريب السياسة اللبنانية الضيقة، يسود اعتقاد أن المساعي التي يقوم بها الحريري ستفضي الى تأليف حكومة اتحاد وطني ونكرر إن هذه النظرة الإيجابية والتفاؤلية تبقى مع وقف التنفيذ الى حين صدور التشكيلة الوزارية العتيدة. والأمر الذي لم يتحقق منذ قرابة الشهرين، ربما بات ممكناً اذا عقدت قمة سعودية - سورية في دمشق، يحتمل في هذه الحال أن ينضم اليها الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان والرئيس المكلف الى حين سعد الحريري ليبدأ عهد جديد بعد كل ما شاب علاقات الحريري مع دمشق. ويلاحظ في هذا السياق أن زعيم اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط حض الحريري على القيام بزيارة الى دمشق، على أن يتبعه جنبلاط «على طريقته». وضمن المعادلة التي أصبحت راسخة وقوامها أن الوفاق العربي – العربي ينعكس إيجاباً على لبنان، والعكس هو الصحيح، كان لا بد من متابعة ما جرى ويجري في نيويورك على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخصوصاً اللقاء الثلاثي الفلسطيني – الإسرائيلي – الأميركي. كان هذا هو المشهد في نيويورك: الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى اليمين وبنيامين نتانياهو الى اليسار والرئيس باراك أوباما في الوسط، واضعاً يديه على كتفي كل منهما. ولمعت أضواء عدسات التصوير، فيما الرئيس الأميركي يطلب من الجانبين إرسال مفاوضيهما الأسبوع المقبل الى واشنطن، مضيفاً: «إن وقت الحديث عن الدخول في مفاوضات قد ولّى، وحان الوقت للمضي قدماً ولإبداء المرونة وحسن الإدراك وروح التسوية اللازمة للوصول الى أهدافنا. كذلك حان الوقت لبدء محادثات في شأن التفاوض على الوضع النهائي». لكن الاجتماع الثلاثي انتهى من دون بروز أي عامل إيجابي حيال التصلب الذي أبداه رئيس الوزراء الإسرائيلي، فهو رفض الاستجابة لمطالب أوباما من حيث الاعتراف بقيام الدولتين والوقف الفوري للاستيطان. ورداً على النقطة الأولى يصر نتانياهو على انتزاع اعتراف من الفلسطينيين بيهودية دولة إسرائيل، أما النقطة الثانية فتحدي تل أبيب قائم وبناء المزيد من المستوطنات سائر على قدم وساق، والآن بعد انقضاء ستة شهور على مهمة المبعوث الأميركي لعملية السلام السيناتور جورج ميتشيل لم تظهر بوادر تؤشر الى حدوث اختراق ما في عملية السلام. ويقول أحد الخبراء الأميركيين في شؤون الشرق الأوسط ارون ميلر والذي عمل مع دنيس روس في فترات سابقة: «القضية الأساسية التي بين أيدينا هي: كيف يتوصل الفلسطينيون لتسوية حول اللاجئين والقدس؟ هذه القضايا لم يتم الاقتراب منها طوال ستة أشهر، وأنا أخشى أن يغرق الرئيس باراك أوباما في تفاصيل لعبة المفاوضات وليس في جوهر المفاوضات بحد ذاته». كذلك صدرت تصريحات لافتة من الجانب الإسرائيلي حول فشل اللقاء الثلاثي فكتبت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تقول: «إن القمة كشفت ضعف الرئيس أوباما. ووقف الرئيس الأميركي أمام المنصة موبخاً الرئيسين الإسرائيلي والفلسطيني، لأنهما لم يبذلا الجهد المطلوب لمعاودة المفاوضات بينهما، ونسي أوباما أنه هو المسؤول عن الحائط المسدود تماماً مثلهما، ويعترف مستشاروه أنه أخطأ عندما جعل من تجميد الاستيطان محور الاهتمام متجاهلاً موضوعات أكثر أهمية بكثير، إذ ليس هناك أي حكومة في إسرائيل يمكن أن تقبل هذا الشرط». وحول النتائج المخيبة للآمال لاجتماع نيويورك يفكر الرئيس أوباما بإيفاد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الى المنطقة علّها تحقق قدراً من النجاح في تحريك الجمود السائد. ومن الأصداء السلبية لاجتماع نيويورك ما أدلى به محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية: «إن حكومة نتانياهو هي مشكلة، وليست هناك أرضية مشتركة للحديث معها». لكنه أقر في الوقت نفسه أن ليست هناك خيارات أخرى إلا التحدث الى إسرائيل. وتوقع عباس أن النزاع سيستمر طويلاً. وبعد، * إن عودة الدفء الى العلاقات السورية – السعودية يشكل مؤشراً إيجابياً من شأنه أن يخرج الواقع اللبناني مما هو فيه وعليه. وسيتجلى ذلك في المراحل التي ستعقب إنهاء الرئيس المكلف سعد الحريري مشاوراته النيابية، وتمكنه من التوفيق بين مختلف مطالب الكتل. إلا أن ولادة الحكومة لا تعني بأي حال خروج لبنان الى واقع آخر من الاستقرار. فالانقسامات الطائفية والمذهبية مزقت الوطن، وتهدد بالمزيد من الشرذمة. ويقول زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إن أميركا نجحت في مخططها لتفتيت المنطقة وتمزيقها، ويحذر كل الفرقاء اللبنانيين من مخاطر وتداعيات هذا الوضع، ولعل هذا هو السبب الأساسي في التحول الذي طرأ على مواقف جنبلاط من حيث عدم الاعتماد على مخططات المحافظين الجدد لتدمير المنطقة. * إصرار الحكومة العراقية على نقل النزاع مع سورية من إطار التعريب الى التدويل من شأنه أن يزيد من توتر علاقات البلدين. وأبلغت مصادر متابعة للتطورات الأخيرة الى «الحياة»، أن إصرار بغداد على المطالبة بإنشاء محكمة دولية لكشف ملابسات الإرهاب، على غرار المحكمة الخاصة بلبنان، مرتبط بالعودة الى ممارسة الضغوط على سورية. ويذهب مراقبون الى أبعد من ذلك للقول إن الأمر الذي لم يحدث حتى الآن مع سورية عبر تحقيقات تلك المحكمة يمكن أن يحدث هذه المرة من الجانب العراقي. * وفي المناسبة، زار نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي لبنان والتقى كبار المسؤولين، ونقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري تفاؤله بأن الأمور يجب أن تسير الى حل سواء في لبنان أو في العراق، من حيث تحقيق الوحدة والأمن والسيادة وما هو في مصلحة لبنان والعراق والمنطقة. وإثر لقائه بمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني قال المهدي: «إن لبنان والعراق يعيشان ظروفاً متشابهة، وهناك فتنة كبيرة وأوضاع صعبة». * كاتب وإعلامي لبناني.