تفاعلاً مع الأحداث الحالية، أرسل لي صديقي عبدالله بن خليفة مقالة رداً على «هيكل»، وأشرككم في هذه المقالة للإفادة، ليس تقليلاً من قدر أحد وإنما محاولة لكشف «حقائق» ربما تكون غائبة عمن اعتقد أن الثقافة من اختصاص من يستطيع أن يقرر ما يشاء من دون اعتراض أو تفنيد، وجعلها «كالحقائق الواقعية». تابعت حواراً مع «هيكل» على «فضائية»، ذهب فيه إلى أبعد ما يمكن أن يذهب إليه أحد، سواء كان كاتباً أم مفكراً أم فيلسوفاً أم سياسياً. فالقضية التي أثارها لم تكن جديدة وإنما أقدم منه. مطالبة إيرانبالبحرين واحتلالها الجزر الإماراتية محور حديث ركّز فيه على رؤية لا علاقة لها بتاريخ، وإنما وطيدة العلاقة مع مشروع إيراني استطاعت عبر قنواتها استقطاب كتاباً ومفكرين لخدمتها، إذ تمكنت عبر سياسة تدفق المال من شراء أجهزة إعلامية، وتوجيهها صوب أهدافها. إن ما قاله تحول أخيراً إلى قصص تُؤلّف، وبطولات تُدعى، وبسهامه يرمي ساسة ومفكرين ومثقفين معظمهم ليس على قيد الحياة، ولا يخرج عن توجيهات كان عليه أن يبرزها في لقاء مدفوع الثمن. أكد نقطتين رئيسيتين: أحقية إيرانبالبحرين ونسبة الشيعة فيها عند انسحاب بريطانيا في 1971، والتي بلغت بحسب تقديراته 70 في المئة، هاتان النقطتان صلب موضوع البرنامج، ويمكن أن تأخذ بعداً في صراع محتدم في الخليج حول البحرين وجزر الإماراتالمحتلة. فالبحرين في تاريخها القديم كانت مهداً لحضارة دلمون، وهي لا تقل من حيث الأهمية عن أية حضارة أخرى قامت في المنطقة، وتقف في صف بلاد الحضارات الأخرى، مثل: العراقوإيران و مصر. البحرين في الإسلام كان لها الريادة، وبوابة لفتح فارس، والخطوة الأولى التي حولت ضفتي الخليج إلى عربيتين، على غرار ما حدث في مصر والشام اللتين دخلهما الإسلام، واندمجوا مع «فاتحين» استقروا في تلك الأراضي، وأسهموا في بناء الحضارة الإسلامية. البحرين حديثاً محطة صراع مستمر بين قوى إقليمية وعالمية، نظراً لما تحتله من مركز استراتيجي مهم، يربط الشرق بالغرب. وكانت على علاقة وثيقة بالإمارات على الساحل الشرقي من الخليج الذي شهد على عروبته اليونانيون والرومانيون ممن زارها منهم قبل قرون. الصراع امتد إلى حروب حركتها أطماع كثيرة كان التفوق والقوة دافعهما الأول. لذا، خضعت المنطقة عبر تاريخها لسيطرة هذه الإمارات التي تبادلت أدوارها، وكانت موازين القوى تتأرجح بين ضعف وقوة. دخول آل خليفة البحرين في 1783، كان سابقاً لدخول بريطانيا إلى الخليج أو وجود قوة فارسية، إذ الإمارات الممتدة من هرمز حتى بوشهر ومن ورائها المحمرة والأحواز، وكان آخر حكامها خزعل الكعبي الذي عزله الإنكليز في 1925، وسلموا دولته إلى الفرس. هذا الإيجاز، يمكن أن يفند أقوال هيكل الذي أدعى أن بريطانيا قايضت البحرين بالجزر الإماراتية، وكان شخصياً شاهداً عليها عندما كان يمثل مصر التي لم يكن لهذه المقايضة أن تتم لولا موافقتها! ما جعله شاهداً على نسبة ال70 في المئة من الشيعة الذين يسكنون البحرين في ذلك الوقت. هيكل اختزل في كتاباته الأخيرة وبرامجه فترة حكم عبدالناصر في شخصه، لم يكن له أن يقول سوى ما قال. الخلاصة هي أن بريطانيا التي استعدت في ذلك الوقت لترك الخليج العربي وبقية ما في العالمين العربي والإسلامي لأميركا التي ورثتها بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية، لم يكن لها أن تستشير مصر ولا تستجديها للقيام بتلك الخطوة الاستراتيجية التي لم تكن انسحاباً، بقدر إحلالها قوة مكان أخرى. كما إن إيران لم تختلف أطماعها في عهد الشاه عنها في الملالي أو عهود سبقته، وكان لها دور في هدم الحضارة العربية في الساحل الشرقي من الخليج بالتعاون مع أوروبا الاستعمارية المسيطرة على المنطقة. كما أن نسبة الشيعة التي أدعاها هيكل لا يمكن أن حقيقة، ما دام الخليجيون معظمهم «سُنة». البحرين والجزر الإماراتية عربيتان، وهيكل وأشباهه ليسوا سوى أدوات توظفها إيران لتحقيق ما تريد، مثلما وظفت أدوات مكنتها من احتلال الأحواز والمحمرة وتدمير الإمارات على الساحل الشرقي وتغيير التركيبة السكانية على طول الساحل، أملاً في استعادة الإمبراطورية الفارسية التي لم تكن أساساً تحتل الساحل، وإنما تستقر في مناطق داخلية تفصلها جبال زاجروس عن الساحل العربي. [email protected]