تقول: عندما بدأت أتعلم القيادة لم يكن شقيقي الأصغر راضياً كل الرضا، لكن عندما طلب مني والدي ونحن في طريقنا من دبي إلى أبوظبي أن أتولى القيادة ثارت ثائرته أيضاً، وقبل أن نصل إلى منزلنا طلب شقيقي أن يتولى والدي القيادة، بينما أنا أعود إلى مقعدي الخلفي، كيلا يراه أصدقاؤه «وأخته هي اللي تسوق». كان المبرر، بالنسبة إلى عقلية والدي، واهياً مما زاده إصراراً في أن أستمر، فطلب أخي أن نتوقف بالسيارة على جانب الطريق ليكمل طريقه إلى البيت مشياً على أقدامه! تقول: بعد مرور ثمانية أعوام كنت أنا وشقيقي ذاته في الطريق البري من السعودية إلى الإمارات، وما أن تجاوزنا الحدود السعودية حتى التفت إليّ مستنجداً طالباً مني أن أقود وأكمل الطريق بدلاً منه، لأنه قد بلغه التعب ما بلغ، كنت أرخيت المقعد للخلف، ومن تحت غطاء وجهي الذي يقيني من الشمس، قلت بتشفّي: «لا يا حبيبي.. مالي نفس»، وعندما ذكرّته مُداعبة بموقف (أخته هي اللي تسوق) ضحك قائلاً: «إيييه.. أيام أول ثانوي». شريحة أول ثانوي شريحة معترضة على قيادة الشقيقات والأمهات والقريبات حتى بنات الجيران، وكل من ستسّول لها نفسها بأن تسرق منهم أدوارهم البطولية، فهو الحامي والقائد والمنقذ، هم فئة من السهل استفزازها، ومن السهل تطويعها مع الوعود بتلك الأدوار الوهمية للبطولة. هم «أطفال رجال» يقوم باستغلالهم «ذكور كبار أشبه بالأطفال» لخوض غمار المعارضة. هم معترضون لأنهم أبطال، فيقاتلون بشغب طفولي، وتهكير حسابات، وجلد، وحد، فهذا في عرفهم «جهاد ومرجلة». تعود صديقتي مُكْملةً لي التجربة مع شقيقها (فئة أول ثانوي)، تقول: «على رغم أن شقيقي أصغر مني، وعلى رغم أني حصلت على رخصة القيادة قبله، إلا أن مهارته في قيادة السيارة ومعرفة السيارات أفضل مني بمراحل، فكنت أستشيره في مثل هذه الأمور، وعلى رغم والدي كان أكبر داعم لي في قيادة السيارة، إلا أن شقيقي الرافض في البداية هو الذي ساندني مساندة احترافية، فأنا أدين له بالفضل الكثير في ذلك، عندما قال لي: «اتركي ما تعلمته مع مدربة القيادة، ودعيني أعلمك السواقة مثل الرجاجيل». علمني في البداية كيف أصف سيارتي في المواقف الطولية المزدحمة، ولا يكون بيني وبين السيارتين التي أمامي وخلفي سوى شعرة ضاربة بمسافات الأمان عرض الحائط! علمني كيف أقود بسرعة وثقة ولا أكتفي بالمسار الأوسط، علمني أن السيارات بينهن لغة في طريق البر السريع يجب أن أعيها، علمني متى تكون السرعة منقذة؟ ومتى تكون مهلكة؟ ومتى يكون التجاوز لا مفر منه؟ تعلمت معه اليقظة، وأنا أنظر إلى المرايا الثلاث بآلية لا بترقب، علمني في حال انفجار إطار السيارة وأنا أقود بسرعة 180 كيلومتراً، كيف أتصرف! علمني العزم، وأن هناك أموراً في القيادة لا تحتاج إلى تردد، فأنا لا أقف أمام واجهة عرض للفساتين، علمني وعلمني الكثير. لقد أصبح شقيقي هو معلمي الذي أتنازل له دوماً عن مقود القيادة حتى لو في سيارتي الخاصة، تاركة له الطريق مكتفية معه بالدروس. بعد تجربة صديقتي مع شقيقها أصبح لي رأي مغاير في هذه الفئة، فئة أول ثانوي أو «الأطفال الرجال»، هم فئة تستحق المحبة والتقدير من الشقيقات والأمهات والعمات والخالات حتى أمهات الجيران. وأن ننأى بهم عن تجمعات «الذكور أشباه الأطفال» الذين يستخدمونهم لتمرير ما يريدون على حساب أسرهم ومجتمعهم، هم عزوة شقيقاتهم وأمهاتهم، هم المدافعون عنهن والداعمين لهن ما لم يهمّشوا أو تبتسر أدوارهم. [email protected] abeerfoz@