التشويق عنصر مهم في بنية الأعمال الدرامية، فهو يكسر رتابة التوقعات، ويثير الفضول للمتابعة من دون ملل، ولا شك في أن هذه القاعدة تنطبق على البرامج التلفزيونية. كذلك، فالمشاهد الذي يعلم أو يتوقع ما الذي تحمله المادة الإعلامية المقبلة، سيبحث عن محطة أخرى، ولن ينتظر حتى تتحقق «توقعاته التلفزيونية» الأكيدة. ولعل أحد العوامل الرئيسة التي تساهم في نجاح ورواج برامج مثل «آراب ايدول» و «ذا فويس»، هو هذا التشويق والترقب، ففي كل حلقة ثمة وقائع مجهولة عن خروج هذا المتسابق أو تلك المتسابقة. وبمعزل عن مشاعر الحزن والاستياء التي تنتاب معجبي هذا المتسابق أو ذاك، فإن البرنامج يكون قد حقق هدفه في جعل أعصاب المشاهد مشدودة إلى نهاية الحلقة، ومنتظراً بشغف الى الحلقات المقبلة. تبعاً لما سبق، هل يرضى المشاهد، مثلاً، أن يتابع مباراة رياضية مسجّلة، وهو يعلم النتيجة مسبقاً؟ بالطبع، يندر وجود مثل هذا المشاهد، ولذلك تتسابق الفضائيات في «حجز الأقمار» ونقل المباريات مباشرة، وهي تدفع أموالاً طائلة لهذا الغرض، ذلك أنها تعي أن المشاهد الفضولي لا يكترث بعرض مباراة معروفة النتائج، ولو جاء ذلك بعد ساعات قليلة من انتهائها، فغياب عنصر التشويق يفقد الحدث الجاذبية ولهفة المتابعة. هنا نصل إلى البرامج التلفزيونية التي تكرر نفسها بلا ملل. الوجوه ذاتها، والمعلومات نفسها، والعبارات عينها تتكرر إلى درجة بات فيها المشاهد يعرف فحوى البرنامج المنتظر، وماذا سيسمع. وما زاد الطين بلّة هو أن كثيراً من المحطات راح يستعين ب «المحلل السياسي المقيم»؛ المتأهب قرب مداخل الاستوديو، والمستعد للتعليق على مفاوضات جنيف وتفجيرات العراق وخفايا البيت الأبيض والانتخابات في التشيلي... وهذا المحلل السياسي يستخدم التعابير ذاتها لمختلف الأحداث. ويبدو أن الإعلام المرئي لا يشذ عن ذلك التقليد الذي يدفع إلى اختيار «النجوم السياسيين المكرسين» دون غيرهم، ويتجسد ذلك، خصوصاً، في البرامج التي تبث منذ سنوات، إذ يتكرر ظهور الضيف العتيد ليعيد ما قاله منذ سنة أو أكثر. ولا شك في ان مثل هذا التقليد، فضلاً عن كونه ينهي التشويق، فإنه يقلص، أيضاً، فرص ظهور الكثير من المهتمين المجهولين. مع الإمكانات الهائلة للتلفزة، سنجد أن ثمة تقصيراً في توظيفها على النحو الأمثل. الجميع يسير نحو المألوف والتقليدي، ولا أحد يكلف نفسه عناء البحث عن مواضيع ووجوه وأسئلة جديدة... وقليلة هي البرامج التي تخلق لدى المشاهد تشويقاً ورغبة في المتابعة. غالبية ما يقدم هو من النوع المعروف والمتوقع، وهنا يقع المحظور، إذ سينتقل المشاهد نحو خيارات أخرى كثيرة، فربما عثر على برنامج يكسر الرتابة ويجعله متيقظاً ومتشبثاً بالشاشة التي فقدت كثيراً من سحرها الذي راح يخبو مع السنوات.