بعد أن بلغت شبكة «فيسبوك» الاجتماعية عامين من العمر، رفض مؤسسها مارك زوكبيرغ ذو ال22 عاماً حينها، بيع شبكته بمبلغ بليوني دولار. كتب مارك رسالة رفض العرض لشركة «ياهو» من سكنه الطلابي في جامعة هارفرد. رفض الطالب كان مدهشاً للمحللين وقراء السوق التقنية. السؤال الذي طرح حينذاك، هل كان ذلك الطالب محقاً برفضه عرضاً ببليوني دولار لشراء موقعه الناشئ؟ تحتفل «فيسبوك» اليوم (الثلثاء) بعيد ميلادها ال10. أسعار الشركة في سوق الأسهم تجيب عن السؤال القديم. نعم كان مارك زوكبيرغ الطالب الجامعي محقاً حين رفض بليوني دولار. لأن القيمة السوقية لشبكته في عيدها ال10 بلغت 91 بليون دولار. شركات قليلة مثل «غوغل» نمت بسرعة كما «فيسبوك». تقول الصحافية التقنية في صحيفة «تيلغراف» كاثرين راشتون إن قيمة «فيسبوك» السوقية ليست الوحيدة التي يفخر بها زوكبيرغ. إن ما يفتخر به بحق أن شبكته التي كانت تسمى «ذا فيسبوك» استطاعت خلال أعوام اجتذاب أكثر من بليون و23 مليون مستخدم، أي أن «فيسبوك» استطاعت اجتذاب نصف مستخدمي الإنترنت للتسجيل فيها. 750 مليوناً منهم يستخدمون«فيسبوك» يومياً. ويرى المحللون أيضاً أن جدة الفكرة وحداثتها كانتا عاملين مهمين في انتشار«فيسبوك». بالنسبة إلى الكثيرين فإنه يعتبر منصة رئيسة تستخدم كل يوم لتبادل الصور والتواصل مع الأصدقاء، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة العديد من البشر، حتى إن المستائين منه يجدون صعوبة في الإقلاع عنه. انتشار«فيسبوك» له ضريبته على الشركة، فعلى رغم أنه لا يزال يجتذب العديد من المستخدمين كل يوم، إلا أن من الملاحظ تباطؤ معدل نموه، يرى المحللون أن الشبكة الاجتماعية وصلت إلى نقطة التشبع في الأسواق الناضجة. كما يرون أن «فيسبوك» بدأ يفقد جاذبيته لدى المراهقين. كيف يمكن أن تقنع مراهقاً أن استخدامه له يعني أنه شاب يسير على خطى الموضة والحداثة، في حين أنه يرى أباه وجده يستخدمانه كذلك؟ وبحسب «التيلغراف»، فإن «فيسبوك» اعترفت بتباطؤ نمو استخدام الشبكة في جيل المراهقين الأصغر سناً، وهو ما يذكي مخاوف الشركة بأن هذا الجيل قد يبحث عن بدائل للاستخدام ذاته. لكن زوكبيرغ الذي سيحتفل بعيد ميلاده ال30 قريباً، قرر استخدام الطريقة القديمة في التعامل مع مثل هذه الحالات، وذلك بشرائه المنافسين المحتملين، قبل أن يصبحوا خطراً حقيقياً. قبل طرح «فيسبوك» في سوق الأسهم عام 2012، فاجأت الشركة العالم بشرائها شركة لا يتجاوز عدد موظفيها 13 شخصاً بمبلغ بليون دولار. فلماذا دفعت «فيسبوك» هذا المبلغ لشركة مثل هذه؟ كان جواب زوكبيرغ واضحاً إن «آنستغرام» يشكل تهديداً محتملاً ل«فيسبوك». إذ يعتمد المستخدمون «فيسبوك» لمبادلة الصور، وهي وظيفة «آنستغرام» ذاتها، فلا بد من شرائه. خلال الأيام الأخيرة تداولت وسائل الإعلام خبراً شغل المهتمين بالتقنية وأسواقها، إذ حاولت «فيسبوك» تكرار ما فعلته مع «آنستغرام»، مع برنامج المراهقين المحبوب «سناب تشات» الذي يتيح للمراهقين تبادل الصور والرسائل ومسحها تلقائياً بعد ثوانٍ. طريقة زوكبيرغ التي نجحت مع «آنستغرام» فشلت مع «سناب شات»، وبدا أن الشركة تعرف قيمتها كما كان يعرف زوكبيرغ موقعه الناشئ حينما عرضت عليه «ياهو» شراءه، لكن زوكبيرغ لم يلعب بكل أوراقه بعد، إذ قرر إصدار تطبيق ينافس «سناب شات» بالخاصية ذاتها التي نجحت فيها «سناب شات». وقال المحلل في مؤسسة غارتنتر للأبحاث بريان بلاو: «إنهم لم يستطيعوا شراء سنات شات، لذلك صنعوا تطبيقاً يشابه سناب شات بنسبة 80 في المئة»، ويرى بلاو أن خطوة «فيسبوك» كانت معقولة، لكنه لا يخفي قلقه من افتقار هذه الخطوة إلى الأصالة. ويرى بلاو أن «فيسبوك وغيرها من الشبكات تحاول التوسع في أعمالها من طريق التشبه بأفضل مما لدى المنافسين في مجال الشبكات الاجتماعية، ولذلك فإن الشبكات الاجتماعية في نهاية المطاف تبدو متجانسة». ويؤكد بلاو أن «فيسبوك تمر بفترة قحط ربما في مجال الابتكارات اليوم وعلى المدى الطويل بشكل عام». مشيراً إلى أنهم في حاجة إلى تلك الميزات الموجودة لدى منافسيهم للاحتفاظ بالمستخدمين. وتقول راشتون: «إن طريقة زوكبيرغ في شراء الشركات هي طريقة يمكن تشبيهها بالدرع الواقي من الرصاص، وتستخدم أيضاً لمعالجة التحديات الاستراتيجية الكبرى التي تمرّ بها الشركة». وحتى وقت قريب يرى العديد من النقاد أن الشركة لا تتكيف بشكل كافٍ مع التغيرات التي تمر بها وتمر بها السوق، خصوصاً في ما يتعلق بالانتقال من مرحلة الأجهزة المكتبية إلى الهواتف الذكية. إضافة إلى ذلك، أسهمت التغيرات في سلوك المستخدمين بنمو هائل في شعبية الشبكات الاجتماعية، لكن في المقابل هذا الأمر جعل من الصعب إقناع المعلنين بالتحول إلى الإعلان في تطبيقات الشبكات الاجتماعية على الهواتف الذكية، لأن المعلن لم يقتنع بعد بفعالية الإعلان في شاشة الهواتف الذكية الصغيرة. كما أن «فيسبوك» أمضت وقتاً طويلاً في إيجاد حل لهذه المعضلة، وتحويل التحول الشعبي إلى الهواتف الذكية إلى مصدر أرباح ل«فيسبوك». يؤكد ذلك اعتراف زوكبيرغ نفسه الأسبوع الماضي بأن صيغة التحول «لم تكن سريعة كما ينبغي أن تكون»، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن «فيسبوك» بدأت بدايات خاطئة في هذا المجال. ففي إحدى المرات طورت تطبيقاً للهواتف الذكية بنفسها، وفي مرة أخرى أطلقت بوابة ل«فيسبوك» في الهواتف الذكية التي تعمل بنظام «غوغل» أندرويد، لكنها فشلت في الاثنتين. وعلى رغم أصوات عدة ظهرت أخيراً تتنبأ بموت «فيسبوك»، وتم إخماد هذه الأصوات على الأقل حتى هذه اللحظة. فإن نتائج «فيسبوك» للربع الرابع من عام 2013 أكدت أن الشركة زادت أرباحها من المستخدمين المسجلين بنسبة 25 في المئة، مقارنة بالأرباح في الفترة ذاتها من عام 2012، كما أنها زادت أرباحها من زيارات المستخدمين غير المسجلين بنسبة 75 في المئة مقارنة بالأرباح في الفترة ذاتها من عام 2012 أيضاً. وهو ما يحب أن يسميه الأميركيون خلطة النجاح السرية التي لا تعرف طريقتها ولكنها تؤدي إلى زيادة في الأرباح على أية حال. وفي ما يبدو أنه نتائج نجاح محاولات الشركة للحاق بسوق الهواتف الذكية، أعلن رئيس العمليات التنفيذي في «فيسبوك» شيريل ساندبيرغ أن بليون دولار من أصل بليوني دولار هي مجموع أرباح الشركة من الإعلانات، جاءت من إعلانات الهواتف الذكية خلال عام 2013. وهذا الرقم هو أكبر من مجموع أرباح الشركة من الإعلانات في الربع الرابع من العام الذي قبله. إشكالية إقناع المعلنين بالتوجه إلى الهواتف الذكية تواجهها جميع الشبكات الاجتماعية وشركات الإنترنت بشكل عام، إذ تسعى «فيسبوك» كما «تويتر» إلى إقناع المعلن بتخصيص جزء من أموال الإعلانات لجعلها في إعلانات تطبيقات الهواتف الذكية، كما يفعل المعلن حين يخصص جزءاً من موازنة الإعلان للإعلانات التلفزيونية أو إعلانات الشوارع. إحدى أهم الوسائل التي تستخدمها «فيسبوك» لإقناع المعلن بأهمية الإعلان في الشبكات الاجتماعية، تطويرها أدوات قياس بمساعدة شركات متخصصة تساعد صانع القرار في موازنة الإعلان لمعرفة العائد من الإعلان على الشبكات الاجتماعية على مبيعاته على أرض الواقع. وتقول الأرقام إن أجهزة القياس كشفت أنه في 70 في المئة من الإعلانات فإن كل جنيه إسترليني يدفع للإعلان يعود على الشركات بمبيعات تعادل 3 جنيهات. ويعتقد أن أدوات القياس هذه باتت أكثر إقناعاً للمعلن من عدد المعجبين الذين يضغطون على زر «لايك» في صفحة المعلن على«فيسبوك». ... والرئيس غير راضٍ عن أداء شركته في مقابلة على قناة «بلومبيرغ» الأميركية الأسبوع الماضي، اعترف زوكبيرغ بأنه ليس راضياً عن طريقة سير الأمور في «فيسبوك»، أو عن مستوى الخدمة التي تقدمها الشركة للمستخدمين، بل إنه ليس راضياً عن جودة فرق العمل التي بناها داخل الشركة. ومع ذلك فإنه متفائل بوصول «فيسبوك» إلى مراحل نمو متقدمة، كما تحدث بحماسة خلال لقائه التلفزيوني عن خطط شركته للحفاظ على المستخدمين وطرق جديدة لجذبهم في أنحاء العالم. وخلال اللقاء قال زوكبيرغ: «إن ثلث سكان العالم فقط يمكنهم استخدام الإنترنت، كما أن استخدام العديد منهم الإنترنت لا يزال ضعيفاً». مشيراً إلى أن الشركة وضعت في خطتها للعام الحالي التركيز على تعميق العلاقات مع مشغلّي شبكات الهاتف النقال في جميع أنحاء العالم، والسعي لتطوير نماذج جديدة للوصول إلى الإنترنت. مؤكداً أن مساعدة المزيد من الناس في استخدام الإنترنت مهمة جداً لتطوير اقتصاد المعرفة العالمي.