تغطي الثلوج الكثيفة مساحات شاسعة من قمم وسفوح «جبال أطلس» في وسط المغرب، والتي يفوق علو بعضها أربعة آلاف متر عن سطح البحر وتكسوها أشجار الأرز الباسقة، وتعتبر الخزان الطبيعي لمصادر البلاد من المياه العذبة، ومصدراً للطاقة المستخرجة من تدفق مياه السدود والشلالات العالية. وانخفضت درجة الحرارة في فصل الشتاء إلى 10 درجات تحت الصفر في «جبال أطلس»، حيث تقبع عشرات القرى النائية التي تعاني قسوة الطبيعة وارتفاع كلفة التدفئة التي تتجاوز في المتوسط قيمة الدخل السنوي لأسر تعيش على تربية الماشية والزراعات الصغيرة وبعض الأنشطة الموسمية. وأكد سكان محليون أن شراء خشب التدفئة يكلف في الشتاء نحو 20 ألف درهم (2400 دولار) لعائلات ليس لها دخل ثابت أو ترزح تحت خط الفقر، وهي من القضايا الرئيسة لسكان الجبال في هذه الفترة من السنة، حيث تتجمد الوديان وتغلق المسالك ويصعب التنقل بعيداً عن القرى. ويطالب السكان الحكومة بدعم أسعار خشب التدفئة على غرار الطاقة الأحفورية. واطلعت «الحياة»، ضمن وفد «الخميس الإعلامي» إلى منطقة ميدلت، التي تبعد عن الرباط نحو ست ساعات، على صعوبة ظروف معيشة سكان الجبال على رغم جمال الطبيعة وهدوء المكان وكرم الضيافة. وقال محافظ الإقليم علي خليل: «سكان الجبال يتمسكون بقراهم ومصادر عيشهم على رغم صعوبة التضاريس، باعتبارها أرضاً للأجداد وعنواناً للهوية الثقافية والقبلية، ما يرفع كلفة مشاريع فك العزلة عن تلك القرى التي يقع بعضها على ارتفاع ألفي متر وسط تضاريس جميلة وصعبة في آن واحد». وأضاف: «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أنجزت 600 كيلومتر من الطرق والمسالك الجبلية في الإقليم الذي يمتد على مسافة 12 ألف كيلومتر مربع، وسهّلت حركة النقل باتجاه البلدات والمدن المجاورة لتحسين معيشة السكان، وتمكين أبنائهم من الدراسة عبر تأمين حافلات للنقل المدرسي، وتحسين الخدمات الطبية للمسنين والنساء الحوامل». وأشار إلى أن «أكثر من 90 في المئة من البلدات والقرى الجبلية أصبحت مربوطة بالشبكة الكهربائية ومياه الشرب العذبة. وتسمح المياه المتدفقة من أعالي الجبال وسد الحسن الثاني، الموجود خارج المدينة، بتأمين حاجات بلدات عدة على طول الطرق، ما جعل من ميدلت مدينة التفاح بامتياز، ونقطة وصل بين شمال المغرب وجنوبه مروراً بجبال أطلس التي يفضلها السياح الأوروبيون الراغبون في اكتشاف المغرب العميق. ولفت خليل إلى أن «نساء الجبال أصبحن أكثر إصراراً على المطالبة بالتمتع بمستوى متقدم من الخدمات الأساس والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ما يعكس حركة صحيحة في المجتمع المغربي تدل على مكانة المرأة وتقدمها وانخراطها في المشاريع كافة». وتلعب «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية»، التي أطلقها الملك عام 2005، دوراً رائداً في سياسة القضاء على الفقر والتهميش التي اعتمدها المغرب منذ عام 2000 في إطار خطة تحدي الألفية التي أقرتها الأممالمتحدة، لتقليص الفقر في العالم بمقدار النصف بحلول عام 2015. وتعتبر المبادرة الذراع التنفيذية لمشاريع محاربة الإقصاء وتحسين معيشة السكان القرويين، وتوفير أنشطة مدرة للدخل تضمن الكرامة والاستقرار الجغرافي. وأوضحت المنسقة الوطنية للتنمية البشرية نديره كرماعي أن «المبادرة التي يرعاها الملك شخصياً ويتابع منجزاتها، تعد رافعة كبيرة لمحاربة الفقر والإقصاء، ولا تقوم مقام الحكومة في المجالات الاجتماعية، بل تعمل في إطار تضامني ضمن ثقافة التعاون والمساعدة لضمان كرامة المواطنين وحقهم في التنمية والارتقاء الاجتماعي». ورصدت المبادرة في نسختها الثانية في مدينة جرادة، على الحدود الجزائرية، 17،5 بليون درهم لإنجاز مشاريع اجتماعية جديدة تعنى بتحسين الخدمات الأساس، عبر بناء طرق ومسالك ومدارس ومستشفيات ودور للطلبة والأمومة، وأنشطة مدرة للدخل، وملاعب رياضية ومرافق ثقافية في المناطق النائية والفقيرة لتقريب الهوة بين سكان المدن وسكان المناطق النائية، وزيادة فرص التعليم لأبناء الجبال والأرياف. وأظهرت إحصاءات رسمية أن معدلات الفقر في المغرب تراجعت من 17 في المئة عام 1992 إلى نحو 9 في المئة عام 2012. ويختلف مفهوم الفقر من منطقة إلى أخرى، ولكن المؤسسات الدولية تعتبر أن نحو ثلاثة ملايين شخص لا يزالون يعيشون في فقر مدقع في المغرب، ويقل دخلهم اليومي عن ثلاثة دولارات، في حين تساهم الزراعة والإنتاج الغذائي في تخفيف وطأة الفقر في المناطق النائية والمعزولة.