الجرأة كانت أهم ما ميز الأمسية الغنائية للمغني والموسيقي الفلسطيني عبدالمنعم عدوان الذي أطل مساء الجمعة على «مسرح الشهيد رفيق الحريري» في معهد العالم العربي في باريس. جرأة كاملة اختارها الفنان هدفاً جوهرياً لأمسيته التي استمرت أكثر من ساعتين وكان الجمهور خلالها على موعد مع تجديد موسيقي امتزج مع قصائد محمود درويش. بداية برنامج الحفلة كانت موسيقية، إذ عزف عدوان على العود مع فرقته الموسيقية، ثم انتقل لاستحضار قصائد درويش التي حازت غالبية برنامج الأمسية، فقدم مقاطع من «الجدارية» وقصائد من ديوان «كزهر اللوز أو أبعد» لم تغنَّ من قبل ووضع موسيقاها عدوان تحيةً للراحل الكبير. واكتست القصائد المغناة نبرة حزن تعكس ما تطرحه القصائد من همّ، سواء على الصعيد العام أو الخاص. نبرة حزن مفعمة بالإحساس الغنائي الراقي سادت حالة التعبير الصوتي لدى عدوان. هذا المشروع الذي بدأ مع حياة درويش وتوقف سنة كاملة إثر وفاته، هو تنويع غنائي جديد اشتغل عليه عدوان مضيفاً إليه ابتكارات وجرأة وشجاعة، عناصر يعتبرها حجر الأساس في مشروعه الموسيقي الذي لا يقبل بأن يكون مجرد استحضار وترديد لنتاج الآخرين، بل يرغب في أن يكون مضيفاً ومجدداً، وهذا ما بدا خلال الأمسية إلى حد كبير. وقدم عدوان، إضافة إلى قصائد درويش، شيئاً من التراث الصوفي والغناء العراقي واللبناني، في تنويع ذكي يحاول أن يرضي ذائقة جمهور متذوق للموسيقى وصاحب ثقافة عالية، يعرفه جيداً، خصوصاً خلال السنوات السبع الأخيرة التي أقام فيها في فرنسا لإكمال دراسة الموسيقى. وجاءت الجرأة في الأمسية عبر الموسيقى التي لحنها عدوان خصيصاً من أجل قصائد درويش وحملت هوية شرقية صرفة لم يكن عائقاً أمامها أن ينزح إليها شيء من الموسيقى الهندية والتركية والإيرانية، من خلال تجريب واعٍ وعارف لا يخل بخصوصية المشروع وانتمائه الوفي إلى جذوره، والجاز كان صاحب حضور لطيف عبر حضور الآلات الشرقية والغربية التي تنوعت بين العود والكمان والقانون والدرامز والكونترباص. وحال التنويع الآلاتي كان التنوع نفسه في جنسيات أعضاء الفرقة التي توزعت بين ياسين العياري من تونس وسمير الحمصي من سورية وصفوان كناني من فلسطين، إضافة إلى عازف فرنسي. بعد الأمسية قال عبدالمنعم عدوان ل «الحياة»: «حاولت أن أقدم قصائد درويش التي تتحدث عن الاغتراب بمعناه الداخلي والخارجي، خصوصاً في ظل أجواء عربية يسودها الحزن... كنت سعيداً بالنجاح الذي حققته الأمسية، بخاصة أن الجمهور أرجعنا من الكواليس للمتابعة. والواقع أن ذلك لم يفاجئني، لأن الجمهور الباريسي منفتح على كل جديد، ولديه حس عال».