استطاع معظم أسواق المال في المنطقة تحقيق مكاسب متميزة في مؤشرات أدائها خلال العام الماضي، ساهمت في تقليص الخسائر التي تعرضت لها خلال أزمة المال العالمية وما تبعها من أزمات اقتصادية ومصرفية وأزمات ديون سيادية في الغرب وأزمات سياسية في المنطقة. ولا تزال العوامل التي ساهمت في انتعاش الأسواق متوافرة في معظمها هذا العام وفي مقدمها النمو المتواصل والمتميز في الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع مستوى الإنفاق الحكومي خصوصاً الرأسمالي منه، وتحسن أداء العديد من القطاعات الاقتصادية، والدور المهم الذي يؤديه القطاع الخاص. وساهم النمو في الناتج المحلي الإجمالي في تحسن ربحية الشركات المدرجة ما انعكس إيجاباً على حقوق مساهميها وتوزيعاتها، فمعظم الشركات المدرجة وزعت أرباحاً نقدية على مساهميها عززت على رغم تفاوت نسبها حجم الطلب على أسهمها ما أدى إلى ارتفاع الأسعار السوقية لهذه الأسهم. ويُتوقَّع ان ترتفع نسب الأرباح الموزعة على مساهمي معظم الشركات المدرجة بما يتناسب ونمو أرباحها. وتعطي التوزيعات النقدية عادة إشارات إيجابية إلى المستثمرين في الأسواق إذ تعكس في الوقت ذاته قوة التدفقات النقدية للشركات وملاءتها المالية ومؤشرات سيولتها. وزاد الاهتمام بالأرباح النقدية التي توزعها الشركات بعد التراجع الكبير في أسعار الفائدة على الودائع، خصوصاً الودائع بالدولار أو بالعملات الخليجية المرتبطة به، فهذه الأسعار انخفضت إلى واحد في المئة بينما يتراوح ريع أسهم معظم الشركات المدرجة بين أربعة وستة في المئة. وغالباً ما يعيد مساهمون، خصوصاً الكبار منهم، استثمار جزء من الأرباح السنوية التي توزعها الشركات، في أسواق المال، ما يعزز أحجام الطلب والتداول في أسواق المال أثناء فترة التوزيعات. وأدى الانخفاض الكبير في أسعار الفائدة على الودائع والمتوقع استمراره هذا العام، إلى انخفاض أسعار الفائدة على القروض المصرفية، ما انعكس خفضاً في كلفة الأموال بالنسبة إلى الشركات المساهمة العامة، وساهم هذا الخفض في زيادة ربحية هذه الأموال. وزادت نسبة النمو في قروض المصارف في معظم دول المنطقة ويُتوقَّع استمرار هذا النمو خلال هذا العام بما ينعكس إيجاباً على ربحية المصارف. ويعطي نمو القروض المصرفية مؤشرات إلى تراجع الأخطار المختلفة وانتعاش القطاعات الاقتصادية في ظل تحسن أداء قطاعي العقارات والأسهم. ومع توقع استمرار تحسن القطاعات الاقتصادية هذا العام، لا بد من الإشارة إلى ان هذه القطاعات تمثّل نسبة مهمة من ثروة المستثمرين ونسبة مهمة من ضمانات المصارف. ودفع ارتفاع قيمة المنتجات العقارية وأسعار الأسهم إلى تحسن واضح في جودة أصول المصارف وجودة قروضها، ما سيؤدي إلى تراجع قيمة المخصصات التي تقتطعها المصارف من صافي أرباحها التشغيلية لمواجهة الديون المتعثرة أو انخفاض قيمة الضمانات. وهكذا سترتفع ربحية المصارف ويزيد حجم الطلب على أسهمها وترتفع أسعارها السوقية. ويُتوقَّع ان ترتفع حصة قطاعي العقارات والأسهم من القروض المصرفية وأن تنخفض أسعار الفائدة على هذه القروض بعد تحسن أدائهما وتراجع أخطارهما بعدما كانا ولسنوات يُعتبران عاليي الأخطار، فأسعار الفائدة على القروض تتناسب عادةً مع أخطارها. كذلك يُتوقَّع ان يستمر الاستثمار الأجنبي في لعب دور مهم في أداء العديد من أسواق المنطقة مع الأخذ في الاعتبار تفعيل ترقية سوقي الإمارات وسوق قطر في مؤشرات «مورغان ستانلي» إذ يُرجَّح ارتفاع حجم التدفقات الأجنبية خلال هذا العام. وما زالت سوقا مصر ولبنان تتأثران سلباً بعدم الاستقرار السياسي والأمني نتيجة تراجع تدفقات الاستثمار وتراجع الاحتياطات الأجنبية والتصنيف الائتماني وقوة العملة الوطنية بينما يتزايد حجم التدفقات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة إلى الإمارات التي تنعم باستقرار سياسي واجتماعي وأمني. وينتظر المستثمرون في المنطقة خلال هذه الفترة إفصاح الشركات عن نتائج أعمالها عن فترة الربع الأخير من العام الماضي وفترة العام الماضي بأكمله إذ ستعطي هذه النتائج إشارات مهمة عن توقعات أداء الشركات خلال هذا العام، وستساعد هذه الإشارات المستثمرين في احتساب الأسعار العادلة للشركات وبالتالي ترشيد قراراتهم الاستثمارية والمساهمة في نضجها. * مستشار أسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»