تعاود اللجنة النيابية المكلفة وضع قانون انتخاب جديد، اجتماعاتها بعد غد الأربعاء، في حضور كامل أعضائها، مع انضمام ممثل اللقاء النيابي الديموقراطي النائب مروان حمادة إليها، من دون أن تتمكن، كما يقول مرجع نيابي، أمام زواره من تحقيق أي تقدم بسبب التباعد في المواقف من مشاريع القوانين الانتخابية المطروحة، ما يعني أنها ستبقى محكومة بالمراوحة لأن ممثلَي «التيار الوطني الحر» النائب آلان عون وحزب «الكتائب» النائب سامي الجميل يعترضان بشدة على أية صيغة لقانون انتخاب جديد تجمع بين النظامين الأكثري والنسبي. وعلمت «الحياة» من مصادر نيابية أن لا مجال لاستمرار اللجنة النيابية في اجتماعاتها طالما أن هناك صعوبة أمام النواب أعضاء اللجنة في الوصول إلى قواسم مشتركة من شأنها أن تدفع في اتجاه توفير الأجواء المواتية التي تسمح بتحقيق تقدم ولو طفيفاً ما لم تتبدل المواقف. ولفتت المصادر النيابية نفسها إلى أن ممثل «حزب الله» في اللجنة النائب علي فياض لم يدلِ بدلوه في الاقتراح الذي تقدم به حليفه النائب علي بزي باسم كتلة «التنمية والتحرير» التي يتزعمها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والذي ينطلق فيه من مبدأ المناصفة بين النظامين الأكثري والنسبي. ويعزو السبب إلى أنه ينتظر انضمام ممثل رئيس جبهة النضال الوطني برئاسة وليد جنبلاط النائب حمادة، للوقوف على رأيه، وما إذا كان مؤيداً للاقتراح المدعوم من رئيس البرلمان. وأكدت أن فياض يتريث في تحديد موقفه مكتفياً بالتشديد على ضرورة الوصول إلى قانون انتخاب يحقق التوازن بين الطوائف، ويؤمن الحدّ الأدنى من التمثيل النيابي الصحيح. وقالت المصادر عينها إن اقتراح بري ينص على انتخاب نصف أعضاء البرلمان على أساس النظام النسبي، انطلاقاً من اعتماد المحافظة دائرة انتخابية، فيما ينتخب النصف الآخر على أساس النظام الأكثري في الأقضية، بعد إعادة النظر في التقسيمات الإدارية، ورأت أن «تيار المستقبل» و «جبهة النضال الوطني» وحزب «القوات اللبنانية» تؤيد اعتماد النظامين النسبي والأكثري شرط أن تكون الأرجحية للأخير. وكشفت أن اللقاء الذي حصل أخيراً بين بري وممثل «القوات» في اللجنة النائب جورج عدوان تطرق إلى مشاريع القوانين الانتخابية المطروحة، وقالت إنهما يحاولان التوصل إلى صيغة في خصوص النظامين النسبي والأكثري على أن تكون الأرجحية للأخير. واعتبرت أن حزب «الكتائب» من خلال النائب الجميل لا يزال يرفض بشدة أي قانون يجمع بين الأكثري والنسبي، وقالت إنه هدد في الاجتماعات السابقة للجنة بالانسحاب منها وتعليق عضويته فيها إذا كان الهدف منها إقصاء الحزب ومنعه من أن يبدي رأيه في المشاريع المطروحة لجهة عرضه للبدائل من وجهة نظر «الكتائب» التي تضع الجميع أمام خيار من اثنين: إما الأخذ بالدائرة الفردية في أي قانون انتخاب جديد، أو العودة إلى المشروع الأرثوذكسي الذي يتيح لكل طائفة أن تنتخب ممثليها إلى البرلمان. ورأى الجميل أن أي مشروع يجمع بين النسبي والأكثري يهدف إلى إلغاء المسيحيين وعدم السماح لهم بإيصال ممثليهم الحقيقيين إلى البرلمان، إضافة إلى أنه يعارض اعتماد القضاء دائرة انتخابية بذريعة أنه يقضي على التمثيل المسيحي في المجلس النيابي. وفي المقابل، فإن الاختلاف بين مشروع بري وبين رأي «المستقبل» و «القوات» مرده إلى أنهما لا يؤيدان الجمع في دائرة من مقعدين نيابيين بين النظامين الأكثري والنسبي، إضافة إلى أن جنبلاط لا يؤيد تقسيم جبل لبنان إلى دائرتين الأولى تضم أقضية عاليه والشوف والمتن الجنوبي - بعبدا - والثانية تضم أقضية المتن الشمالي - كسروان - الفتوح وجبيل إذا ما تقرر إجراء الانتخابات فيهما على أساس النظام النسبي مع تحديد عدد من المقاعد يخصص لإجراء الانتخابات فيها وفق النظام الأكثري. ولاحظت المصادر أن هناك ما يشبه التوافق بين «التيار الوطني الحر» برئاسة العماد ميشال عون و «الكتائب» حول أي قانون انتخاب يريدان للبنان، وقالت إنهما يؤيدان المشروع الأرثوذكسي، على رغم أن الآخرين يعارضونه بشدة. كما لاحظت أن هناك حساسية بين «الكتائب» و «القوات»، وهذا ما يفسر مواقف النائب الجميل من المشاريع المطروحة التي لا يعترض عليها «حزب القوات». ناهيك عن أن قيام المجلس الدستوري برد الطعن المقدم من نواب «تكتل التغيير والإصلاح» ضد التمديد للبرلمان لم يمنعهم من الإصرار على دعوة المجلس النيابي إلى عقد جلسة نيابية تخصص لتفسير المادة 24 من الدستور المتعلقة بتحقيق المناصفة في التمثيل النيابي بين المسيحيين والمسلمين، بغية أن يبينوا من وجهة نظرهم، أن هذه المناصفة في ظل قانون الانتخاب المعتمد حالياً أو سيعتمد لاحقاً، لا تؤمن صحة التمثيل المسيحي في البرلمان وأن معظم النواب المسيحيين ينتخبون بأصوات المسلمين. وفي هذا السياق أكدت المصادر النيابية أن أكثر من نائب في «تكتل التغيير» طلب من بري الدعوة إلى عقد جلسة لتفسير هذه المادة، لكن الأخير رأى أنه ليس في وارد أن يتخذ قراره في الموافقة على عقد الجلسة النيابية من دون التشاور مع الكتل النيابية. ونقلت عن بري قوله إن الدعوة إلى عقد جلسة لتفسير المادة 24 من الدستور تتطلب موافقة أكثرية ثلثي أعضاء البرلمان لأنها تمت بصلة مباشرة إلى تعديل الدستور وما ينطبق عليها ينطبق على الدعوات المخصصة للنظر في أي تعديل دستوري. وأكدت هذه المصادر أن بري التقى على دفعتين النائبين في «تكتل التغيير» آلان عون وفريد الخازن لتوضيح موقفه من طلب «التكتل» عقدَ جلسة لتفسير الدستور، وتبين أن العماد عون يصر على طلبه، على رغم أن رئيس المجلس أبلغهما أنه من غير الممكن أن يوافق على الطلب من دون تأييد أكثرية ثلثي أعضاء البرلمان، وأنه اقترح التشاور لهذا الغرض مع الكتل النيابية لأن لجوءه إلى اتخاذ القرار منفرداً يعني تعدياً على الدستور، وبالتالي لن يسجل على نفسه مثل هذه السابقة. لذلك، فإن اللجنة النيابية لوضع مشروع قانون انتخاب جديد ستكون أمام مهمة يصعب التغلب عليها في المدى المنظور بسبب التباعد في المواقف من القوانين المطروحة، لكن المشكلة تكمن في الجهة التي تأخذ على عاتقها الدعوة إلى تعليق اجتماعاتها، لا سيما أن المحاضر الخاصة بالجلسات التي عقدتها أخيراً لا تدعو إلى التفاؤل. وعليه، فإن اللجنة النيابية ستضطر إلى التسليم عاجلاً أو آجلاً بأن الظروف السياسية لا زالت غير ناضجة للوصول إلى توافق حول قانون انتخاب جديد، إلا أنها ستتريث في حرق المراحل المؤدية، على الأقل في المدى المنظور، إلى تعليق اجتماعاتها، لأنها لا تريد أن تلحق صدمة سلبية بالرأي العام اللبناني الرافض بأكثريته التمديد للبرلمان، والذي سيجد في تأجيل الاجتماعات مادة سياسية دسمة للهجوم على النواب بذريعة أن لا شيء يحضهم على الإسراع في وضع قانون جديد بعد التمديد المديد لهم. وقد يكون جنبلاط على حق عندما اقترح، مع معاودة اللجنة النيابية اجتماعاتها، تأجيل البحث في قانون الانتخاب الجديد لسببين، الأول مرده إلى أن الظروف السياسية ليست مواتية، وأن كل فريق يحاول أن ينتج قانوناً على قياسه، على رغم أن البعض يتعامل مع أي مشروع انتخابي يجمع بين النسبي والأكثري على أنه يؤمن «الغموض البناء» الذي يصعب بموجبه التكهن، قبل إجراء الانتخابات، بنتائجها. أما السبب الثاني من وجهة جنبلاط مرده إلى أنه يقترح تأجيل البحث في قانون الانتخاب إلى ما بعد انتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان، لأنه من غير الجائز إلزام الرئيس بقانون لا رأي له فيه، خصوصاً أنه يحق لأي حكومة جديدة تتشكل بعد انتخابه أن تطلب سحب مشروع القانون لتعيد النظر فيه، وتحيله مجدداً على البرلمان.