من الصعب أن يجد أحدنا صفة تختزل مسار إنسان عاش ردحاً من الزمن، متنقلاً من مهمة إلى أخرى من غير أن تذكر له ذلّة في أيّ منها. برع غسان تويني في مجالات عدّة حتى غدا البحث عن صفة لصيقة به أمراً في غاية الصعوبة. لكنّ «الرجل المتعدّد» قد تكون هي الصفة الأكثر ملاءمة لرجل الصحافة والسياسة والديبلوماسية والأدب والشعر والفكر. إنّ ثراء شخصية غسان تويني وحياته، التي امتدت من العام 1926 حتى 2012، والحافلة بالأحداث والحكايات والإنجازات على المستويين المهني والشخصي، تجعل من فكرة تقديم كتاب بيوغرافي شامل مهمة غاية في التعقيد، إذ لا يعرف الكاتب من أين يبدأ وأين ينتهي. من عمله كصحافي؟ من انتخابه نائباً في البرلمان اللبناني أو من انتقاله إلى واشنطن للعمل الديبلوماسي؟ أم أنّ البداية الفعلية هي في ترسيخه «إمبراطورية» النهار وتحديثها؟ وقد يعتقد بعضهم أنّ حياته الشخصية هي أخطر ما في تجربة تويني الإنسانية. أو ليس هو الأب الذي دفن أفراد عائلته الجميلة بيديه، واحداً تلو الآخر كما يحصل في المآسي الإغريقية؟ فبعد زواجه بالشاعرة الجميلة ناديا تويني التي رحلت عن حياته وبعد وفاة ابنتهما الصغيرة نايلة، صُعق بموت ولديه في فترات زمنية مختلفة... لكنّ الأب المفجوع لم يستسلم يوماً تبعاً لأيمانه الكبير ولأنّه قرأ المسرح والأسطورة والتراجيديا، وعلم أنّ الحزن هو قدر الأبطال وأنّ موت الأبناء هو أصعب تحديات القدر. فلم يُثنه وجعه عن مواصلة أحلامه ومشاريعه ونهمه، فظلّ هو يزداد مع الأيام قوة وحكمة، ويسعى إلى أن تبقى «صحيفته» شابة يافعة ومتجددة مع إشراقة كلّ «نهار» جديد. وفي الكتاب الفني الضخم «غسان تويني» الصادر حديثاً عن منشورات النهار، يتعرّف القارئ إلى أوجه تويني المتعددة من خلال شهادات صادقة كتبها محبّو غسان تويني وأصدقاؤه وأحفاده وتلامذته باللغات الثلاث، هدية إلى روحه بعد عامين على رحيله. ومن الأسماء التي شاركت في هذا الكتاب البديع بنصوصه كما في نوعية ورقه وأناقة تصميمه: زوجته شادية تويني، الأمير طلال بن عبد العزيز، الميتروبوليت الياس عودة، أمين الجميّل، عبد العزيز خوجة، ميشال إدّة، فرنسوا عقل، سعاد الصباح، فيليب سالم، أنسي الحاج، أحمد بيضون، دومينيك دو فيلبان، نايلة وميشال تويني. يحتوي الكتاب على صور شخصية لغسان تويني في منزله، ومع أفراد عائلته، وأخرى مع كبار الزعماء والشخصيات السياسية التي تعرّف إليها وعمل معها بحكم عمله سياسياً وديبلوماسياً ورئيساً لتحرير جريدة «النهار» اللبنانية. ومما جاء في كلمة أنسي الحاج عنه: «غسان تويني من رؤساء التحرير الذين يعمل المحرّر في صحفهم وهمّه أن يحظى بإعجابهم. فهو يجمع في شخصيته صفات القدوة والرقيب. الناشر والقارئ. الصحافي المثقف والمثقف الصحافي. وهو ينتمي أيضاً إلى صنف أصحاب الصحف الذي يبذل المستحيل ليضم إلى جريدته كل قلم يلمع في صحيفة أخرى...». ومن كلمة عبد العزيز خوجة: «مداخل رحبة كثيرة، من الديبلوماسية إلى السياسة إلى الفكر والأدب والشعر والثقافة الشاملة، تؤدي كلّها إلى جوهر واحد يُكدّس فيه كلّ معارفه وإطلاعاته وخبرته وهو جوهر غسان تويني «الإنسان والصحافي» بامتياز الذي عشق الصحافة حتى الذوبان، فذاب في جريدة النهار وذابت به فاْتمنها على أفكاره وعلى كل ما يختزنه وجعلها ساحة نضاله وفرحه وحزنه وفي المختصر ألف باء حياته...». وضم الكتاب صوراً عن اللوحات الفنية والأيقونات التي جمعها تويني المعروف بحبه للفن وبصداقته للفنانين وهي جعلت من بيته متحفاً مفتوحاً أمام الزوار والأصدقاء.