بدت محاكمة رئيس مصر المعزول محمد مرسي صباح الثلثاء الماضي، على رغم قصر مدتها، وكأنها جزء من فيلم «أكشن» أو مسلسل من المسلسلات البوليسية. فمنذ الصباح الباكر توجهت كاميرات التلفزيون إلى موقع المحاكمة عند أكاديمية الشرطة، حيث خيّم هدوء تام على المكان بدلاً من هتافات الجماعات المحتشدة كما حدث أيام الرئيس السابق حسني مبارك، ما دفع كثراً من المشاهدين للتشكيك في المكان نفسه وتصوروا أنه تغير. وكان لافتاً تخلف التلفزيون المصري، تلفزيون الدولة، عن الذهاب وشغل مشاهديه بالحدث المرتقب، وكأنه لا يوجد حدث، علماً أن هذا التلفزيون نفسه هو من كانت لديه حقوق البث الحصرية للمحاكمة وتوزيعها على كل القنوات. ولعل السبب في هذا النوع من النقل غير المباشر هو مواجهة ما أعلنته جماعة الإخوان عبر مراصدها الالكترونية عن تظاهرات ومواجهات ضد محاكمة مرسي، وقد يكمن السبب في القفص الزجاجي الذي وضع فيه المتهمون داخل القاعة، والذي كان مبعثه الفوضى التي حاولوا إحداثها في المرة الأولى لانعقاد المحكمة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ما دفع السلطات الأمنية لمحاولة حصار الشغب مبكراً. لكنه في المقابل، استفز المتهمين بشدة فبذلوا طاقة قصوى في الصراخ ومحاولات إنهاء المحاكمة على الهواء مثل أن يصرخ مرسي في القاضي قائلاً: «أنا رئيسك فمن أنت؟» وأن يقفز سعد الكتاتني ويعطي إشارات لمحاميه، ويحاول محمد البلتاجي استقطاب الاهتمام لمن في القاعة. فها هي سلطة سابقة متهمة تحاول ادعاء القوة وهي داخل القفص وتوصيل رسائل عدة الى أنصار ينتظرون الأوامر في الشارع وفي أماكن معينة، منها غرف قنوات إخبارية. ولأن الذاكرة لا تنسى سريعاً ولا تموت، فإن المشاهد ما زال يذكر سلوك رئيس آخر، أسبق من مرسي، حكم مصر ثلاثين عاماً، هو مبارك الذي وقف داخل القفص بهدوء تام. بالطبع كان وجوده أولاً على سرير مرض أداة ضغط عاطفي على المشاهد، سواء أكان الأمر حقيقياً أم لا، إلا أن مبارك احترم القضاة والمحامين ولم يجعل من تجمعات مؤيديه وهتافاتهم سنداً لإحداث الفوضى. وعلى رغم أن المصريين تعبوا من مبارك ومرسي، ويتوقون إلى رئيس أكثر إنصافاً لهم، إلا أن هذه المشاهد لمحاكمة من كانوا زعماء حتى وقت قريب جداً لا يمكن أن تنسى، ولا يمكن أن ينتهي تأثيرها بمجرد انتهاء البث أو تحويل المشاهد وجهته الى قناة أخرى. فالعالم تغير وذهب الخوف لدى المواطن والمشاهد، وإذا كانت هذه المحاكمات تقدم جزءاً من تأثير أصحابها في الناس، أي مؤيدي هذا الرئيس أو ذاك، فإنها في المقابل تضيف إلى الصورة ملايين ممن أصبحوا أكثر رشداً من المشاهدين الذين لا يغريهم الالتحاق بموكب أي رئيس، بل يبحثون عمن يستجيب مطالبهم... وبهذا يسحب الإعلام البساط من تحت أقدام أصحاب الهالات.