يستحيل نفي وجود حور عين في الجنة، ويصعب إثبات أن كل انتحاري وصل أو سيصل إليهن، على رغم أن جزءاً من تسجيلات انتحاريين ووصاياهم التلفزيونية قبل تفجير أنفسهم أشارت في شكل مباشر أو ضمني إلى أن «الحور غايتهم»، ورود اسم الجنة جاء لأنه العنوان الوحيد المعروف لهم. يحوي العقل الإسلامي مواصفات أولية عن الحور العين قادمة من آيات أو أحاديث، تستوجب استحضار صور لجميلات من نساء إنسيات يكاد يكون وسيلة وحيدة للتقريب، وبالتالي فإن طريقك لتخيل «حور عين» يستوجب مرورك بسيدة تسكن ذاكرتك، لا يوجد بكل تأكيد سيدة في الأرض تدفع عاقلاً إلى لقياها من طريق الموت انتحاراً. عاشت القارة الهندية دهراً في ظلام إحراق زوجات للحاق بأزواج ماتوا، لا توجد تأكيدات تاريخية أن الأرملة كانت سعيدة أو على يقين بأن الرماد يستطيع احتضان الرماد، كما لا توجد تأكيدات أن سكان الجنة من (حور أو ملائكة) يسعدهم استقبال منتحر صعد على سلم من جثث أطفال، وقتل نساء لأجل نساء، إلا إذا كان للحور العين وصف آخر ووظائف غير. تتشبع أدبيات الجماعات المسلحة «الجهادية» برائحة الجنس حيثما ثقفوا، فهم الحالمون بسبي نساء، متشبعون بفكرة السبي، ولأجلها لن يترددوا في إشعال حرب أهلية، وبالتالي فالديار الحاضنة لطيف واسع من الجميلات ستستقبل الشعلة أولاً، السلالات غير الجميلة يكفيهم القبح حامياً من أتون الحرب. وتتشبع أدبيات المؤيدين للجماعات المسلحة أو المتعاطفين معهم بأنماط وقوانين زواج موسومة بأسماء «مسيار ومسفار وغيرهما»، بينما ورود قصص من مرحلة الجهاد الأفغاني والعراقي والسوري لا يخلو من تصريحات أو تلميحات عن زواج بالإكراه أو بقوة السلاح أو سبي، أما «اللواط» فلا نكران، لأنه سلوك تاريخي مشاع بين مرتزقة الحروب. يصعب أيضاً فهم كيفية البحث عن المعاشرة الجنسية في السماء، على رغم وجودها في أرض تمتلك شريعة سمحة، تحققها من خلال مشروع زواج، أما المتزوجون المنتحرون فليس لدي قدرة على فهم ترك أحدهم سيدته في الأرض، والبحث عن أخرى في السماء، دونما شك ثمة بيننا من يود التخلص من زوجته - الآن وقبل إتمام المقالة - لكن دفع ثمن بحجم قتل مدنيين ومساكين، وغالبهم ابتاع زاداً لم يطبخه أصعب من تحمل كآبة الحياة معها. تتصف الجنة بأنها مكان تتحقق فيها الأماني آنياً، لذلك لا دور للحور العين في رفاهيات الجنة ونعيمها، وحدهما الجمال والمعاشرة غايات حصرية، وسنارات يصيد بها رجالات التحريض الديني، فرائسهم من صغار سن يعانون نقصاً. قال أحد المنتحرين السعوديين في العراق: «كلها ضغطة زر وأكون عند الحور العين»، وأخذ معه أرواح مؤمنة عشوائياً، ربما وصلوا ضحاياه للجنة بما فيها الحور العين قبله، ربما تعثر مروره، لأن وعد الله ووعيده أكثر وضوحاً في مسألة الدم وقتل المسلمين، أكبر وأصدق من وعد تجار الحروب، وكل كاذب اعتقد أن للجنة مفاتيح بيده. أتجنب غرس نفسي في مسار تقنين صحة الاستشهاد من خلال تفجيرات انتحارية، وأقطف علامة استفهام حول «تكتيك» يكرره مهندسو مشاريع الانتحاريين في إقناع ناقص رغبة عاجز عن تحقيقها في الأرض، ليحصدها في السماء. يعد الجنس محركاً أساسياً في «برمجة» الانتحاريين وغسيل أدمغتهم، فأحدهم لن يصعد إلى «الحور العين» لأجل أن يلعب معهن «بلوت، بلاي ستيشن» أو يشاهد حلقات مصارعة حرة، فكل الحديث عن الحور العين لن يتجاوز الجمال والمتعة. [email protected]