اطلعت على مقال للدكتور أنور ماجد عشقي، نشر في ملحق (الرسالة) في العدد الصادر في يوم الجمعة من جمادى الآخرة من عام 1431ه، والموافق 11 يونيو 2010م. تضمن اعتقادًا خطيرًا يخالف الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وهو أمر لا يجوز السكوت عنه، ولا التغاضي عنه بحال من الأحوال، والله تعالى يقول: “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ”. سورة آل عمران:(110). ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِه،ِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ”. وامتثالًا للتوجيهات والأوامر الربانية والنبوية قمت بالرد على هذا المقال وتفنيد ما فيه من باطل من كتاب الله –عزّ وجلّ- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وإجماع المسلمين، كما سيقف على ذلك القراء الكرام. نسأل الله أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه. - أولًا: قال الكاتب أنور عشقي: "دعاني إلى الكتابة عن الجنس في الجنة أمران، الأول: استغلال الإرهابيين للشباب من المراهقين، والإيحاء لهم بأنهم إذا قاموا بعملية انتحارية وقتلوا ودمروا؛ فإنهم يصبحون شهداء، وحال موتهم تستقبلهم الحور العين في الجنة”. - أقول: “إن رد الفساد والباطل يكون بالحجج والبراهين القرآنية والنبوية وبفقه أئمة السنة المنضبط بالكتاب والسنة. ولا يكون رد الباطل بإنكار الحقائق والعقائد الثابتة الراسخة المسلمة التي أخبر الله بها في كتابه، وتواترت عن رسوله -صلى الله عليه وسلم-،ودان بها المسلمون قاطبة، فهي عند المسلمين من أعظم الأمور المعلومة بالضرورة، وإنما يكون الرد بالحجج الدامغة والبراهين الساطعة من كتاب الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن سنة رسوله المعصوم -عليه الصلاة والسلام- وبفقه أئمة الإسلام من الصحابة الكرام، ومن تبعهم بإحسان من أئمة العلم والهدى. فما رأيناك عرجت في رد باطلهم على كتاب ولا سنة ولا على فقه الأئمة، وإنما قابلت الهدم بهدم أشد منه”. - ثانيًا: ورد في هذه المقالة ما يأتي: “الدوافع الجنسية غير موجودة في الجنة، وآدم لم يغادرها إلا بعد انكشاف سوأته”. - أقول: “بأي كتاب أو بأي سنة تقول هذا القول الخطير؟ إن عقائد المسلمين ومناهجهم قائمة على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى، لا على الخيالات ولا على التخيلات، وكلامك هذا من الخيالات والتخيلات المصادمة للكتاب والسنة وعقائد المسلمين المستمدة منهما، وليس من العقل ولا من العلم في شيء. العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه”. - ثالثًا: قال الكاتب: "والثاني: وجدت أن عددًا من طلبة العلم وكبار المثقفين، يعتقدون بوجود الممارسة الجنسية في الجنة، حتى بلغ الشطط ببعضهم أن ألف كتابًا، وأفتن في هذا التصور العدمي، فقال بأن (الولدان المخلدون) الذين وردوا في القرآن الكريم هم لأهل الجنة الذين كانوا يميلون بشهوتهم في الدنيا إلى اللواط، ومنعوا أنفسهم من ممارسة ذلك الشذوذ، فإن الله سيكافؤهم في الجنة بالولدان المخلدين، وهذا ما يشوه صورة الجنة في أذهان المسلمين، ويبعث على السخرية من قبل أعدائهم”. - أقول: “أما ما يعتقده طلبة العلم وكبار المثقفين فحق لا شك فيه، يؤمن به الأنبياء وأتباعهم المؤمنون من الصحابة، ومن تبعهم بإحسان، وذلك من أعظم أنواع النعيم في الجنة”. 1- وليس التمتع الحسي والمعنوي بالحور العين من المستقذرات حتى تنزه عنه الجنة وأهلها، وإذا سخر الملاحدة من هذا الإكرام فلا يستغرب منهم، فهم يسخرون بالأنبياء وبما جاؤوا به من الكتب، قال تعالى: (وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ) [سورة الزخرف: 7]، فلا يبالى بهم. 2- ولا ينزه عن الصاحبة والولد إلا رب العالمين الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وخلقه لا يقاسون عليه تعالى الله عن ذلك. وأما ما قاله مؤلف الكتاب المذكور فإنه من الأباطيل ومن أقبح الأقوال وأفحشها، ويجب أن يؤدب ويحرق كتابه، وإن رد عليه فبالحجج والبراهين. - رابعًا: قال الكاتب: “والإرهابيون وغيرهم من المنحرفين استفادوا من هذا الفهم الخاطئ؛ فسخروه في غواية الشباب ليس في عصرنا فحسب، بل في عصر نظام الملك وعصر صلاح الدين الأيوبي عندما ابتدع الحشاشون من الباطنية، الذين أسس عصابتهم الحسن بن الصباح، وأنشأ لهم جنة ونارًا؛ ليتاجر بمشاعر الشباب، ويدفعهم إلى الإرهاب والاغتيالات، واليوم نجد أن الإرهابيين في هذا العصر يوظفون جميع الأساليب، التي كان يقوم بها الحسن بن الصباح، وأتباعه في إقناع الشباب بالحور العين، فزيفوا لهم الانتحار والقتل والتدمير، وأفشوا بينهم المخدرات”. - أقول: “ما يعتقده المسلمون جميعًا من التمتع الجسدي والروحي بالحور العين في جنات النعيم ليس فهمًا خاطئًا، بل هو حقيقة ثابتة بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأما عمل الباطنية الحشاشين، ومن سار على نهجهم من الإرهابيين فهو الضلال والباطل، ويجب بيان ذلك لشباب الأمة، وتحذيرهم منه أشد أنواع التحذير. أما أن يدفعك ذلك إلى إنكار التنعم بالحور العين، وغير ذلك من النعيم، فهذه عقيدة باطلة مضادة للكتاب والسنة وما يعتقده المؤمنون”. - خامسًا: قال الكاتب: “فالجنس ما هو إلا مجموعة من الخصائص الفسيولوجية والتشريعية والسلوكية، نشأ بسبب انقسام الناس إلى ذكور وإناث، فقام بدور جذب الإنسان نحو الآخر بسبب الميول الفطرية. فالله --عز وجل-- جعل الجنس في الحياة الدنيا سبيلًا لاهتمام الرجل والمرأة ببعضهما، فنشأ من جراء ذلك الحب والمودة والزواج، وتوالد البشر فيما يعرف بالتكاثر الجنسي، وهو ما نجده أيضًا في الحيوان والنبات، ومع ذلك فإن له في الإنسان تأثيرات طبيعية وحيوية ونفسية واجتماعية تؤثر في حياته”. - أقول: “كون الإنسان له في الدنيا مجموعة خصائص فسيولوجية وتشريعية وسلوكية تنشأ بسبب انقسام الناس إلى ذكور وإناث... إلخ”. فمن أين لك أن الله يسلب هذه الخصائص عن أهل الجنة ذكورهم وإناثهم؟ أ- إن الله يبعث الموتى بأجسادهم وأرواحهم التي كانت في الدنيا، ثم يتفضل الله على أهل الجنة؛ فيزيدهم كمالًا وجمالًا على صورة أبيهم آدم طوله ستون ذراعًا، أما جمالهم ونورهم فقد قال عنه -صلى الله عليه وسلم-: “أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة...”. ب- وكما قسم الله البشر في الدنيا إلى ذكور وإناث، كذلك يقسمهم الله في الآخرة إلى ذكور وإناث، فالذكور في الدنيا هم الذكور في الآخرة بخصائصهم، والإناث في الدنيا هن إناث في الآخرة بخصائصهن، ومثلهن الحور العين، بل ويزيد الله هذه الخصائص كمالًا في الآخرة. وقولك: “فالله --عز وجل-- جعل الجنس في الحياة الدنيا سبيلًا لاهتمام الرجل والمرأة ببعضهما،فنشأ من جراء ذلك الحب والمودة والزواج، وتوالد البشر فيما يعرف بالتكاثر الجنسي، وهو ما نجده أيضًا في الحيوان والنبات، ومع ذلك فإن له في الإنسان تأثيرات طبيعية وحيوية ونفسية واجتماعية تؤثر في حياته”. - أقول: “ما هي براهينك على أن الله لم يجعل سبيلًا لاهتمام الرجل والمرأة بعضهما ببعض في الجنة؟ ومن أين لك أن الله لم يجعل سبيلًا إلى المحبة والمودة بين الرجال والنساء في الآخرة؟” الذي يدين به المسلمون أن المودة والمحبة وكمال حسن التبعل والعشرة موجودة على أشدها بين الجنسين في الجنة، فإن قلت: لا، فهات أدلتك مرة أخرى على ما تدعي. وهل سيجعل الله بين الجنسين العداوة والبغضاء والشقاق و..و..إلخ، أو لا هذا ولا ذاك، أثبت ما تعتقده بالأدلة والبراهين. والدعاوى إن لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء - سادسًا: قال الكاتب: “والجنة تنعدم فيها الدواعي الجنسية؛ لهذا فإن الأعضاء التناسلية سوف تختفي عند الإنسان في الدار الآخرة؛ لأن الله --عز وجل-- وصفها بالسوأة، فقال تعالى: “فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة”. - أقول: 1- ما الدليل على أن الجنة تنعدم فيها الدواعي الجنسية؟ وما المراد بقولك: “فإن الأعضاء التناسلية سوف تختفي”؟ هل تريد أن تقول: “إن الله يبعث البشر لا فرق بين ذكر وأنثى، فكلاهما سواء، فلا يقال هناك ذكور وهناك إناث؛ لانعدام الأعضاء التناسلية التي تميز بين الذكر والأنثى أو تريد أمرًا آخر؟ أرجو إبراز الأدلة الواضحة من كتاب الله، ومن سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-. أما المسلمون فإنهم يؤمنون بالفرق بين الذكور والإناث في الجنة، وأن الله خلق في الآخرة لكل من الجنسين أجهزة تخصه، ويفرق الله بها بين الذكور والإناث، ويعطي الله المؤمن زوجتين من الحور العين جزاءً لهم على إيمانهم وعملهم الصالح، والله يفرق في كلامه بين الذكور والإناث من أهل الجنة. يقول الله مخبرًا عن جزاء المتقين: (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبْوَابُ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ”. [سورة ص: (49)]. انظر إلى الإخبار عن الذكور بصيغ المذكر، فيقول الله عن المتقين: “متكئين فيها”، “يدعون فيها”، “وعندهم”، كلها بصيغ التذكير، ويقول تعالى مخبرًا عن الإناث بصيغة التأنيث (وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ). وهناك نصوص كثيرة في هذا التفريق في القرآن والسنة وفي إجماع المسلمين والعقلاء، فهل يأخذ المسلمون بأخبار الله الصادقة، وأخبار الرسول الصادقة، وإجماع المسلمين، أو بقول أهل الباطل؟ - سابعًا: قال الكاتب: “فالله --عز وجل-- لم يخرج آدم وزوجه من الجنة إلى الأرض بسبب المعصية التي ارتكباها، بل بسبب ظهور السوأتين بعد أكلهما من الشجرة؛ لأن الله --عز وجل-- تاب عليهما بعد أن تليا كلمات علمهما الله إياها، فعفا عنهما، لكنهما بسبب ظهور السوأتين لم يعودا مؤهلين للبقاء في الجنة فأخرجهما -عز وجل- منها”. - أقول: “إن الله ما أخرج آدم من الجنة إلا بسبب خطيئته ألا وهي أكله من الشجرة، التي نهاه الله وزوجه حواء أن يأكلا منها، والدليل ما رواه البخاري في صحيحه حديث (3340) و(4712)، ومسلم في صحيحه حديث (194) من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الشفاعة، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم-: " فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السَّلَام فَيَقُولُونَ له: أنت أبو الْبَشَرِ خَلَقَكَ الله بيده، وَنَفَخَ فِيكَ من رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لك، اشْفَعْ لنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرَى إلى ما نَحْنُ فيه، ألا تَرَى إلى ما قد بَلَغَنَا. فيقول آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قد غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لم يَغْضَبْ قَبْلَهُ مثله، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مثله، وَإِنَّهُ نَهَانِي عن الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إلى غَيْرِي اذْهَبُوا إلى نُوحٍ...” الحديث. والقرآن لا يفهم منه الناس إلا هذه الخطيئة، وهي أكلهما من الشجرة، التي نهاهما ربهما أن يأكلا منها. وأقول: “أين الدليل على أن الله خلق آدم وزوجه بدون سوأتين، فلما وجدت سوأتاهما أخرجا من الجنة من أجل ذلك لا من أجل معصيتهما؟وهل هما خلقا لأنفسهما هاتين السوأتين حتى يعاقبهما على هذه الفعلة؟ وهل نهاهما الله عن أكل الشجرة أو عن ظهور السوأتين”؟ إن قلت: “بل نهاهما عن أكل الشجرة ولم ينههما عن ظهور السوأتين”. قلنا: “كيف لا يعاقبهما على مخالفة نهيه لهما، ويعاقبهما على عمل لم ينههما عنه، وحصل منهما بدون قصد ولا اختيار”؟ على كل حال يظهر أن الرجل يعتقد أن الله خلق آدم بدون ذكر وخلق حواء بدون فرج، فلما أكلا من الشجرة التي نهاهما الله أن يأكلا منها خلقت هاتان السوأتان، فاستحقا الإخراج من الجنة؛ بسبب وجود هاتين السوأتين، ومن هنا يعتقد أن أهل الجنة تنعدم منهم هاتان السوأتان”. ونحن نعتقد أنه يتكلم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. ونحن نسوق الدليل على بطلان ما يقول وتهافته. قال تعالى في سورة الأعراف الآية (19-23): (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). 1- تأمل قوله تعالى: (لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا). أي ليظهر شيئًا موجودًا فِعْلًا قد واراه الله بنعمة اللباس، فلا يراه الملائكة ولا إبليس ولا غيرهما، فلما ظهرت سوأتا آدم وحواء الموجودتان فِعْلًا استحيا أشد الحياء من انكشاف سوأتيهما، وذهبا يخصفان عليهما من ورق الجنة كما أخبر الله عنهما. 2- وتأمل قوله تعالى: (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ) أي يغطيان شيئًا كان موجودًا خجلًا وحياء. وقال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ...) [سورة الأعراف: (27)]. تأمل قوله تعالى: (يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ). ألا تراه واضحًا في أن لهما سوأتين موجودتين كساهما الله لباسًا يغطيهما، فأراد الشيطان بمكره بهما أن ينزع عنهما هذا اللباس ليظهر عوراتهما. وقال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِى سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذالِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [سورة الأعراف: (26)]. فهذا اللباس يواري سوءات بني آدم الموجودة. أليس هذا يؤكد أن الله خلق آدم بشرًا سويًا كامل الرجولة، وكساه وزوجه حواء وزينهما باللباس الذي يستر عوراتهما، ونعمهما في الجنة يأكلان من كل ما فيها إلا من شجرة واحدة. فحسدهما إبليس على هذه النعم وعلى هذه المنزلة؛ لينزع عنهما لباسهما، وليخرجهما من الجنة إلى آخر ما قصه الله عن آدم وحواء. أليس من أبطل الباطل أن يقرر إنسان ضد ما يقرره الله في كتابه؛ ليصل إلى قوله: تنعدم السوآت في الجنة كما سيأتي.