مع اكتمال السنوات الثلاث على انطلاقة موسم «الربيع العربي»، يبدو التلفزيون أكثر تشتتاً مما كان عليه من قبل، إذ تكفي المشاهد جولة على أبرز الفضائيات، يوم «25 يناير» مثلاً، ليكتشف تناثر الأداء التلفزيوني العربي المحكوم بالمواقف السياسية المتنازعة، والتناقضات الأيديولوجية، وتضارب المصالح، إلى حدّ الفجاجة. ولعلها مصادفة بحتة أن يمرّ يوم «25 يناير» في مصر، فيما يلتقي الوفدان السوريان في جنيف. هنا وهناك، في مصر وسورية، تتوالى أنباء التفجيرات، وأعداد الضحايا، كأنما فعل القتل اليومي يتوازى مع الحراك السياسي الذي يبدو معظمه يدور على شاشات التلفزة، بصيغة «على الهواء مباشرة»، و «النبأ العاجل». تحتفل القنوات السورية، المؤيدة والمعارضة، كل من ناحيتها بانتصاراتها التي تحققت في مونترو، قبل الانتقال إلى جنيف. لم يتوقّف «التلفزيون العربي السوري»، ومن يواليه من قنوات، عن الابتهاج بما «حققه الوفد السوري من اختراقات سياسية وإعلامية»، متغنياً بالكلمة «الجامعة المانعة»، التي «ألقاها الأستاذ وليد المعلم وزير الخارجية السوري»، تماماً فيما تعلن القنوات السورية المعارضة انتصاراتها التي تحققت بفضل «الأداء المتوازن لوفد الائتلاف»، والكلمة «الموفقة لرئيسه السيد أحمد الجربا»! انتصاران متوازيان في الحقل الذي من المفترض أن يكون فيه منتصر ومهزوم. لا يأبه التلفزيون، المؤيد أو المعارض، لتفسير هذا الانتصار المحقَّق للطرفين معاً. وليبقى المشاهد أكثر تشتتاً، وهو يرقب الكلام نفسه، أو ما يشبهه، على الضفتين. لا يختلف المشهد على الصعيد المصري، إذ بينما تنهمك فضائيات مصرية، لنقل وقائع الاحتفالات بالذكرى الثالثة لثورة «25 يناير»، مغرقة شاشتها بالنوافذ المتعددة التي تطلّ على كبريات المدن المصرية، والمشاهد كلها تغصّ بالجماهير الحاشدة، مع الأعلام المرفوعة وصور الفريق السيسي، على أنغام أغاني الثورة من محمد منير إلى حكيم، تنهمك قنوات أخرى بأحاديث وتحليلات مُطوّلة عن التحضيرات والحشود التي يتهيأ لها «الإخوان» ومن يواليهم لإطلاقها بعد صلاة الظهر، من أكثر من نقطة تجمّع، فيما الإلحاح على أخبار من نوع «الشرطة تستخدم الغازات»، و «الطيران يخترق حاجز الصوت»، بهدف «تفريق المتظاهرين». وفق هذا الأداء المتشتت للتلفزيون العربي، لا يعود البلد واحداً. ليست سورية التي يتحدّث عنها التلفزيون المؤيد هي سورية ذاتها التي يتحدّث عنها التلفزيون المعارض. ليست مصر التي تتحدّث عنها القنوات المؤيدة ل «ميدان التحرير»، هي مصر ذاتها التي تتحدّث عنها القنوات المؤيدة لإشارة «رابعة». ذات يوم، قبل 3 سنوات، كان ثمة أمل في أن الحراك السياسي سيقود إلى ثورة في الإعلام العربي، بخاصة التلفزيون، ولكن كيف يمكن هذا الأمل أن يكون، فيما الوجوه والأسماء والأصوات، بقيت هي ذاتها... قبل وبعد؟