عندما يقف وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، موشيه أرينز، ضد قانون القومية اليهودية لإسرائيل، وهو أستاذ بنيامين نتانياهو في السياسة اليمينية ومن فتح له الطريق ليتبوأ المناصب السياسية العليا، فهذا يعني ان رئيس الحكومة، صاحب هذا القانون، غارق في ازمته حتى اخمص قدميه وتائه عن دربه. ويزداد تأكيد تورطه هذا مع وقوف الرئيس الإسرائيلي الجديد، رؤوفين ريفلين في صف أرينز وكذلك المستشار القضائي للحكومة الى جانب معارضي نتانياهو في احزاب الائتلاف الحكومي والمعارضة في الكنيست وكذلك مؤسسات حقوق الإنسان التي تعمل ضد هذا القانون. لقد ادخل نتانياهو اسرائيل برمتها في اشكالية، وسيطرت النقاشات فيها على ملفات ساخنة اخرى مثل الملف النووي الإيراني وملف انتفاضة القدس وغيرهما من القضايا المهمة. وأصبح موضوع حل الحكومة والتعجيل في موعد الانتخابات يبحث بجدية. وعلى رغم الجهود المبذولة من قبل احزاب عدة في الائتلاف والمعارضة للتوصل الى حل وسط حول القانون، كمحاولة لمنع تفكيك الائتلاف الحكومي والدخول الى معركة انتخابية جديدة، سابقة لإوانها لكل الأحزاب، الا ان احتمالات إلغاء القانون او التراجع عن جوهر مضمونه، ليست الأقوى. كان مفترضاً طرح القانون على الكنيست للمصادقة عليه، الأربعاء الماضي، بعد ان صادقت عليه حكومة بنيامين نتانياهو بأكثرية ستة عشر وزيراً، الا ان المعارضة الشديدة والتهديدات بالانسحاب من الائتلاف الحكومي ودخول وزراء من الائتلاف الحملة ضد القانون، ادى الى تأجيله. ويتوقع ان يتجاوز موعد عرضه الأسبوع، في محاولة من مختلف الجهات للتوصل الى حل وسط. الا ان مجرد تأجيله يعكس في شكل واضح مدى حدة الأزمة التي يشهدها الائتلاف الحكومي، المهدّد بالتفكيك. مسؤولون في حزب «يوجد مستقبل» يقدّرون بأن تأجيل القانون ادى الى تأجيل نهاية الائتلاف ومن بينهم من رفع نبرة التهديد. فبعد هجوم وزير المالية العنيف على حزب الليكود، أعلنت وزيرة القضاء تسيبي ليفني أن «الكرة في ملعب نتانياهو، وأكدت أن تأجيل التصويت لن يغير من موقفها وستعترض بشدة على قانون القومية. وستصوت ضده اذا بقي كما هو. اما نتانياهو فرد على وزراء ائتلاف حكومته بصرامة:» الحديث عن قانون مهم جداً لضمان مستقبل إسرائيل في أرض إسرائيل، علي أن أقول أن القانون والمبادئ التي أدفعها ستحافظ على إسرائيل كدولة الشعب اليهودي وفقط له». وأضاف: «أنا على استعداد لمنح فرصة للحوار والتوصل إلى اتفاق، وهذا مفضل، لكنني عازم على تمرير القانون، مع أو من دون اتفاق». رد نتانياهو هذا فتح باب الخلافات على مصراعيه وأدى الى احتدام النقاش وزيادة المعارضين له. معارضو قانون نتانياهو الذي بموجبه يحسم يهودية الدولة العبرية من مختلف الأحزاب والتوجهات السياسية، وهم يطرحون معارضتهم انطلاقاً من خلفيات مختلفة. اليمينيون بينهم يرفضون القانون ليس لرفضهم يهودية الدولة العبرية انما من منطلقات اشد قومية. وأبرز هؤلاء الوزير السابق موشيه أرينز، صاحب المواقف اليمينية المتطرفة. فهو يلوم تلميذه في السياسة نتانياهو على اقتراحه هذا القانون لأنه يرى بأن اسرائيل تعيش منذ اقامتها، عام 1948، كدولة يهودية ولا تحتاج لمثل هذا القانون لأنه لا يجلب الا الإساءة لإسرائيل وينطوي على حسابات حزبية بعيدة من الموضوعية والوطنية. ويضع أرينز في حساباته الجنود العرب في الجيش الإسرائيلي، فهو يرى ان هؤلاء سيشعرون بإهانة وكذلك عائلات الجنود القتلى من بينهم. ووفق أرينز فإن يهودية اسرائيل تنعكس من خلال وجود غالبية لليهود فيها وبأن العبرية هي اللغة الرسمية وغالبية الكتب التي تصدر في اسرائيل عبرية والأشعار والأغاني عبرية ولأن النشيد القومي هو نشيد «هاتيكفا» ولأن العلم القومي هو الأبيض- الأزرق وفيه نجمة داوود. وأما قانون العودة الذي أقرّته اسرائيل فهو يمنح اليهودية لها وبامتياز، وفق أرينز، لأنه يمنح الجنسية الإسرائيلية لكل يهودي في العالم يرغب في الحصول عليها. الموقف الذي خرج به المستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشطاين، وينتقد فيه نتانياهو على عرضه للقانون وعلى مصادقة حكومته عليه، ينطلق من قانونية القانون، ما جعل النقاش بين اوساط عدة في اسرائيل تنصب في مدى انعكاساته على وضعية اسرائيل، امام المجتمع الدولي. فاينشطاين رأى ان مصادقة الحكومة على مشاريع القوانين هذه تشكل صعوبات جوهرية وذات دلالة بالغة، وقال إن قانونَي ليفين والكين «يفصلان «الصيغة المقبولة «يهودية وديمقراطية» التي تبناها الكنيست من خلال عدد من قوانين الأساس. وفيما الأساس الأول، المتعلق بكون الدولة يهودية يحظى بإبراز وتفصيل، فإن المشروعين يقلصان الأساس الثاني بقولهما إن لإسرائيل «نظاماً ديموقراطياً». رئيس الشاباك الأسبق، يوفال ديسكين، وهو من ابرز معارضي نتانياهو في الآونة الأخيرة، كتب في صفحته على «فايسبوك» كلمات قاسية ضدّ الاقتراح. وفق تعبيره: «إنّ هويّة البلاد يتمّ تحديدها في نقاش عامّ وخصوصاً في الإجراءات وليس من خلال تشريع يضرّ بالديموقراطية. إنّ كون الدولة يهودية سنحافظ عليه فقط عندما تكون هناك دولتان لشعبين». وتحت عنوان «يهودية ام ديموقراطية؟!»، يحلّل الخبير السياسي يوآف شاحم القانون ويقول: «هناك من ادعى بأنّ كون اسرائيل «يهودية» فيه معنى ديني، وأنّ الصهيونية تحتاج أن تستجيب المتطلّبات الدينية اليهودية. وهناك من قال إنّ تفسير عبارة «دولة يهودية» هو دولة الشعب اليهودي، وليس الدين اليهودي. وهناك من سخر وقال إنّ «يهودية وديموقراطية» تعني يهودية بالنسبة إلى العرب، وديموقراطية بالنسبة إلى اليهود» ويضيف: «يسعى «قانون القومية» إلى تبديد الغموض حول هذه العبارة، وإعادة ترتيب علاقات القوة بين يهودية إسرائيل، وبين ديموقراطيتها». ويشمل القانون صيغاً أخرى تجعل اللغة العبريّة اللغة الرسمية الوحيدة في إسرائيل، مقابل اللغة العربية التي ستكون ذات «مكانة خاصة» ولكن لن يتم الاعتراف بها كلغة رسمية ثانية للبلاد. في صياغة اقتراح القانون، كانت المكانة التي أعطيت للديموقراطية وليهودية الدولة متساوية. إنّ الهدف المعلن للقانون الذي اقترحه نتانياهو هو «تعريف هوية إسرائيل باعتبارها دولة قومية للشعب اليهودي، وترسيخ قيمها كدولة يهودية وديموقراطية، بروح مبادئ ما تسمى «وثيقة الاستقلال» وشدّد نتانياهو على الطابع القومي لدولة إسرائيل بقوله: «كما أنّ بريطانيا هي دولة الشعب البريطاني وفرنسا هي دولة الشعب الفرنسي، فإنّ إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي». ووفقاً لهذا الموقف، فإنّ حقوق الإنسان والمواطن في إسرائيل الديموقراطية تُمنح لكل مواطن؛ أيّاً كان دينه. ولكن حقوق التعريف الذاتي والقومي في إسرائيل محفوظة لليهود، ولهم فقط». «النعش للقومية اليهودية» صفات كثيرة اطلقها معارضو القانون وهناك من وصل الى حد وصفه ب «النعش للقومية اليهودية». وتحت عنوان «هوية في أزمة»، خصّصت صحيفة «هآرتس» افتتاحيتها وقالت:«بغض النظر عن مدى الحاجة في قانون القومية اليهودية (والذي كانت الصحيفة قالت انه لا حاجة به)، توجد قضية في طريقة البحث فيه. فهناك رخص واضح في الموضوع. يتقاذفون الهوية القومية كما لو كانت كرة في ملعب كرة قدم، ولأغراض حزبية وليست وطنية او موضوعية». وتختتم الصحيفة بدعوة الوزيرين يائير لبيد وتسيبي لفني الى إنقاذ إسرائيل من هذا المستوى المتدني ورفض القانون حتى لو ادى ذلك الى خسارة مقاعد حزبيهما في الائتلاف وانهيار الائتلاف والتوجه نحو انتخابات جديدة. «حسابات نتانياهو حزبية ولا تمت بصلة إلى المصلحة الوطنية»، هكذا رأى الخبير السياسي يوسف فيرتر. وبرأيه فإن طرح نتانياهو مشروع قانون القومية للتصويت خلال اجتماع الحكومة كان مجرد ذريعة، لأن رئيس الحكومة لا يثير غضب شركائه في الائتلاف في شكل قد يصل إلى حد انسحابهم من الائتلاف عبثاً، وإنما هو يسعى إلى تحقيق هدف ما. ووفقاً لفيرتر فإنه لا يوجد لدى نتانياهو، إذا كان قد سئم حكومته الحالية، «سبب أفضل لتفكيك الرزمة (أي الحكومة) من موضوع وطني مثل قانون القومية، الذي لا أحد يعرف ما هي فائدته، ولكنه يبدو سبباً جيداً لسقوط الحكومة على خلفيته. لكن في الوقت نفسه، يقول فيرتر:» المعروف عن نتانياهو أنه ليس مقامراً ولا يبتهج لتقصير ولايته، لكنه في حاجة إلى قانون يثير اليسار من أجل استخدامه في الانتخابات الداخلية على رئاسة حزب الليكود، ومن أجل محاولة كسب تأييد ناخبي اليمين على حساب رئيس حزب «البيت اليهودي» اليميني المتطرف، نفتالي بينيت. ووفق فيرتر ارسل نتانياهو مبعوثين عنه إلى الأحزاب الحريدية، شاس و«يهدوت هتوراة»، في محاولة للتوصل إلى صفقة تقضي بأن يحل نتانياهو حكومته بعد أن يتعهد الحزبان الحريديان، علناً، بأنهما سيوصيان أمام الرئيس الإسرائيلي، بعد الانتخابات، بأن يكلّف نتانياهو بتشكيل الحكومة المقبلة، وعلى أثر ذلك ضمهما إليها إلى جانب حزب «اسرائيل بيتنا» برئاسة أفيغدور ليبرمان. لكن الحريديم، حالياً، يرفضون الموافقة على صفقة كهذه وينتظرون تطورات مقبلة محتملة. التزام المعارضة التصويت ضد القانون إلى حين عرض القانون على الكنيست للمصادقة عليه تبذل احزاب المعارضة جهوداً على مختلف الصعد في محاولة لإفشاله. النائب دوف حنين من الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، كشف أن نواب أحزاب المعارضة، وهي «حزب العمل»، و«ميريتس»، و«الجبهة»، و«الحركة العربية للتغيير»، و«الحركة الإسلامية» و«التجمع الوطني الديموقراطي»، اتفقت على الالتزام التام بالتصويت الجماعي ضد قانون القومية. وأنه يحاول إقناع الأحزاب الدينية (الحريديم)، «شاس» و«يهدوت هتوراة» وقد اجتمع بهم وقال لهم - وفق تصريحاته - إن شرعنة المسّ بالأقليات وبمبدأ المساواة وتعميق العنصرية التي بدأت ضد العرب ضمن اقتراح القانون الذي يقدّمه نتانياهو ستطاول الأقليات الأخرى في وقت لاحق. كما شملت المساعي لصدّ اقتراح قانون «القومية اليهودية» ضغوطات على حزب «الحركة»، برئاسة تسيبي لفني و «يوجد مستقل»، برئاسة يائير ليبيد وأوساط جماهيرية مقرّبة من الحزبين ، أدت إلى عدم تصويتهما لمصلحة اقتراح القانون. فإذا وقف هؤلاء جميعاً ضد القانون فسيسقط حتماً. وهناك نشاط مواز يقوم به «الائتلاف لمناهضة العنصرية في إسرائيل» والذي يضم 37 جمعية ومؤسسة حقوقية عربية وعبرية ترى أن اقتراحات قانون القومية التي قدمها أعضاء الكنيست إلكين وشاكيد هي اقتراحات «تصبو إلى إفراغ مبدأ ديموقراطية الدولة من مضمونه». «أبارتهايد» اما النائب العربي في الكنيست محمد بركة، رئيس الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، فلم يترك النقاش والخلاف محصوراً على قانون نتانياهو بل واجهه بطرح مشروع قانون خاص به على جدول أعمال الكنيست هو قانون المساواة، الذي يجعل مبدأ المساواة بين جميع المواطنين، من دون أية تفرقة، أساساً لكل التشريعات الأخرى. وبركة عرض قانونه مؤكداً ان مصادقة حكومة بنيامين نتانياهو على قانون ما يسمى «يهودية الدولة»، هو سعي إلى قوننة نظام الأبارتهايد رسمياً. وقال النائب بركة، إن السياسة الإسرائيلية، عملت دائماً على تغليب يهودية الدولة على الديموقراطية، ولكنها بقرارها المصادقة على قانون ما يسمى «يهودية الدولة»، فإنها عملياً تقونن هذا المبدأ والنهج، وهي بالتالي تجعل نظام الأبارتهايد لديها قانوناً دستورياً. وفضلاً عن ذلك يأتي القانون ليلغي حق عودة اللاجئين، ما سيمنع التوصل الى اي اتفاق لحل الصراع، علماً ان إسرائيل لم تحدّد حدودها، والقانون المطروح لا يتطرّق للحدود، ما يعني ان القانون من وجهة نظر إسرائيلية، وبخاصة اليمين المتطرّف، من شأنه أن يسري على كل أنحاء فلسطين التاريخية. ويرى بركة أن قانون المساواة الذي طرحه يضع تحدياً أمام المؤسسة في إسرائيل في حال رفضها المرجّح لهذا القانون. وتواصل إسرائيل تخبّطها في هذه الورطة، لا تعرف كيف تواجه إصرار نتنياهو. الأمر الذي أدّى بكبير الكتاب في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، إلى الكتابة محذراً:» إن اليوم التي سنرى فيه قادتنا في قفص الاتهام في محكمة لاهاي الدولية سيكون قريباً أكثر مما نتصوّر. لكن نتانياهو لا يتأثّر. يكذب على الجمهور ويخدعه بالادعاءات التي يضعها لقوانينه الجديدة. فما يهمّه ليس مصلحة إسرائيل والشعب اليهودي بل تحقيق الانتصار في الليكود».