تأخر عقد جلسة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أمس، في لاهاي لأكثر من ساعتين ورد الناطق باسم المحكمة مارتن يوسف السبب إلى «أن القضاة يناقشون موضوعاً تقنياً يتعلق بمعاونة الشهود». وتميزت الجلسة عن سابقاتها بظهور شاهد حجبت كامل هويته صوتاً وصورة بناء على طلب مسبق من الادعاء لحماية الشهود. واستؤنفت الجلسة قرابة الواحدة بعد الظهر (بتوقيت بيروت) لسماع المزيد من شهود الادعاء. وكان الشاهد الرابع في هذه المحاكمة نزيه أبو رجيلي شقيق الضحية زاهي حليم أبو رجيلي الذي قضى في الانفجار الذي استهدف موكب الرئيس رفيق الحريري، وكان في حينها في مكان عمله في فندق «سان جورج» مقابل مكان الانفجار. وقدم شقيق الضحية شهادته من بيروت وبواسطة نظام المؤتمرات المتلفزة. وبعد التأكد من هويته وملاحظة رئيس غرفة الدرجة الأولى القاضي ديفيد راي «صعوبة تسجيل ردات فعلك لأن الشهادة متلفزة»، ظهر الشاهد محاطاً بعلمين للأمم المتحدة من دون تحديد المكان الذي يتواجد فيه. وبعد تأديته قسم اليمين، عرض مأساة وفاة شقيقه الذي لم يعثر عليه بين القتلى والمحروقين والمصابين في كل المستشفيات في الساعات الأولى لوقوع الجريمة وحتى منتصف الليل. وسرد معاناة العائلة حتى اليوم الثاني من الانفجار وكيف أن أحداً في مسرح الجريمة لم يساعد في العثور على الضحية «على رغم أن هاتفه الخلوي كان لا يزال يعمل وذلك بحجج أنهم قاموا بالمسح ولا يوجد أي ضحية أخرى، وأن الظلام دامس ولا يمكن التفتيش ليلاً»، ومنعهم من دخول مسرح الجريمة «لأسباب أمنية»، وقال: «حتى الصليب الأحمر قال لنا إنه مسح كل الأمكنة». وتابع أبو رجيلي أنه في اليوم الثاني على الجريمة رجع إلى موقع الانفجار «مع اثنين من أصحابي، توجهت إلى السان جورج وفي منتصف الطريق رأينا سيارة إسعاف مسرعة خارجة من موقع الانفجار ورحنا نسأل قالوا وجدوا جثة وقالوا إنها لزاهي أبو رجيلي وسينقلونها إلى مستشفى الجامعة الأميركية. وكانت في البراد حين دخلت لأتعرف إليه ولم يكن مصاباً ولا جروح في جسده إنما نقطة دم على الجارور والدم طلع على يدي. إنه مشهد مؤثر لم نعِ ما حكينا وما فعلنا، وبحسب التقرير الطبي بقي شقيقي حياً بعد 12 ساعة على حصول الانفجار، وحتى اليوم نلوم أنفسنا لأننا لم نتمكن من القيام بشيء، قتلناه، كان يختنق تحت الردم الذي كان فوقه ولم نستطع فعل شيء. أرملته وابنتاه تركا لبنان إلى الخارج وأمي تبكيه كل يوم». وقال وهو يغالب دموعه: «إنه أخي جزء مني ما عندي غيره». ولم يطرح محامو الدفاع أي سؤال على الشاهد ولا هيئة المحكمة. وأصر الشاهد في كلمته الأخيرة على التأكيد: «لن ننسى كيف مات وهذا عذابنا لم يساعدنا أحد ولا أحد فكر فينا». الشاهد الرقم ثم أعلن ماين عن شاهد ثان يعطي شهادته من قاعة المحكمة لكنه طلب تدابير الحماية له، مشيراً إلى طلب موجود أمام غرفة الدرجة الأولى لتحوير صوت الشاهد وتنقيط صورته «بسبب الوضع المتوتر السائد في لبنان وحفاظاً على سلامته». ولم يعترض الدفاع على هذا الإجراء. وتلا القاضي راي الطلب وقانونيته وأشار إلى «بحث سريع حصل للأمر ويتضمن اسماً مستعاراً والصورة منقطة والصوت محور والوثائق سرية لذلك لا يمكن الإفصاح عن اسم الشاهد والإعلام ممنوع أن يفصح عن المعلومات تحت طائلة الملاحقة القضائية». ولفت إلى «أن الدفاع لديه هوية الشاهد». وبعدما قبلت المحكمة منح تدابير الحماية واتخذت تدابير حماية الشاهد الذي اتفق على تسميته PRH 352 رحب القاضي راي به قائلاً: «كانت لك إفادة زودت بها المحكمة وهي ملحقة بالملحق الأول من طلب الادعاء، اسمك موجود على الصفحة الأولى. وشدد ماين على أن الملحق «سري ونريد إبقاء اسم الشاهد سرياً». ونبه راي الشاهد إلى ضرورة «توخي الدقة بعدم قول أي موضوع يدل إلى هويتك». وانقطع بث المحكمة على شاشات التلفزة لنحو نصف ساعة المدة التي استغرقتها إفادة الشاهد المموه. ورفعت الجلسة حتى الثانية والربع بعد الظهر. وأعلن وكيل الادعاء ألكسندر ميلن عن شاهد سادس، مشيراً الى شريط فيديو عن موقع الجريمة من ضمن افادة الشاهد طالباً ضمه الى الملف. وأوضح القاضي راي ان الشريط في اطار افادة الشاهد وقبل كدليل وكان احد محامي عياش اعترض على ذلك. وقال وكيل الدفاع عن المتضررين بيتر هانيس: «ان معارضتنا ليست مسألة مبدئية. ما يشغلنا ان هذا العرض بطلب من الشاهد قد يكون مربكاً ومؤثراً، والقضاة هم بشر ولهم مشاعر حتى ولو كانت مدته 100 ثانية وهو متاح لديكم لا ارى سبباً لعرضه الآن». ووافقه محامو الدفاع. لكن القاضي راي رد قائلاً: «استمعنا الى اعتراضات الدفاع ولم نأخذ بها، وقبلت البينة كدليل. وأشار ميلن الى ان «الشاهد خارج قاعة المحكمة شاهد الشريط ويرغب ان تطلع المحكمة عليه وأنا اريد التحذير من انه مؤثر للغاية ولتستعرضه المحكمة قبل دعوة الشاهد الى المحكمة». عرض الشريط وهو مأخوذ عن محطة تلفزيونية مع شعار المحطة. وتضمن عرض شخص كان يحترق داخل سيارة في موقع الجريمة ولا يزال حياً لدى سقوطه من السيارة ومحاولات اشخاص إطفاء الحريق الذي شبّ بجسده بواسطة ستراتهم والوضع الذي ساد لحظتها. وقال ميلن إن هذا الشخص كان مازن الذهبي. ثم استدعى الشاهد الى القاعة لأداء القسم والإدلاء بإفادته. وهو فؤاد عدنان الذهبي شقيق الضحية. وتحدث فؤاد بصوت متهدج عن أخيه «الممرض خريج الجامعة الاميركية في بيروت الذي عمل في مستشفى الجامعة ثم عمل في السعودية كممرض ثم مسؤولاً عن تدريب الممرضين في احد مستشفيات المملكة وبقي هناك نحو سنتين ونصف السنة. وكان خاطباً ويفضل البقاء الى جانب عائلته. وأُتيحت له فرصة العمل مع الرئيس الشهيد بوظيفة مسعف ممرض مع فريق الرئيس الشهيد. وحين توفي كان مضى على عمله 3 اشهر. وكان سعيداً بالعمل مع الحريري ويعتبره بمثابة والد له». واستعاد ما حصل يوم الانفجار قائلاً: «شاهدت ما تعرضه شاشات التلفزة بعد سماع الانفجار من مكان عملي ولم يكن اخي في المنزل وكانت تعلم والدتي انه مع الرئيس الحريري. وتوجهت الى مكان الانفجار. لم يُسمح لي بدخول الموقع من جانب الجيش. وأبلغنا لاحقاً انه يوجد شخص اسمه مازن نعمة في مستشقى رزق، فذهبنا الى هناك للتأكد مما اذا كان شقيقي وأُبلغنا ان الشخص حوّل الى مستشفى الجعيتاوي المخصص بالحروق البليغة وذهبنا الى هناك وأبلغونا ان شقيقي مازن لديهم لكنه معروف باسم مازن نعمة وطلبت الإذن لأتأكد مما اذا كان هو. طلبت الدخول لأتعرف اليه والاطباء لم يسمحوا لي نظراً الى الحروق البالغة التي أُصيب بها، وعندما أصررت سمحوا لي ولكن جسده كان محروقاً والمكان الوحيد غير المحروق قدماه وتعرفت عليه من عملية أُجريت له سابقاً في رجله اليمنى جراء حادث سيارة ووضع سيخ وبراغٍ من الفضة في رجله وصححت لهم اسم شقيقي وطلبت تغيير الاسم وأجروا صورة شعاعية للتأكد من صحة ما اقوله. وتأكدوا». وأوضح «ان 6 اشخاص كانوا يعملون على معالجة شقيقي. ولم يسمحوا لي بالبقاء حتى لا ارى فظاعة التشوه الحاصل لجسده. ولم يكن في امكاننا القيام بأي شي ولاحقاً تلقيت اتصالاً من المستشفى ابلغونا فيه ان مازن توفي متأثراً بحروقه. وكان علي إخبار اهلي ولم افعل بل أبلغت أعمامي وطلبت منهم ابلاغ والدي ثم والدتي». وبدا شديد التأثر وبكى، مشيراً الى ان والدته «لا تزال حتى اليوم تتذكر قبلته لها كل يوم وهذا الامر يتكرر في الأعياد وشهر رمضان والمناسبات العائلية». وقال انه يتمنى «ألا يحصل لأي انسان على وجه الارض ما حدث لأخي او لعائلتي». وكشف ان احد العاملين في مستشفى رزق ابلغه ان لدى وصول شقيقه مازن المصاب بالحروق كان واعياً وهو الذي ابلغهم باسمه، لكنه اخطأ اسم العائلة وأبلغهم ان الرئيس الحريري كانت لديه حساسية على دواء معين وطلب منهم الانتباه الى هذا الموضوع». وأضاف ان مازن «حين نقل الى مستشفى الجعيتاوي اصبح فاقد الوعي ومربوطاً الى جهاز تنفس اصطناعي. وكان موصولاً الى ثقب موجود في الحنجرة لا فمه». وخاطب الشاهد المحكمة بالقول: «اقول للقتلة وأعني الذين أمروا وخططوا ونفذوا انه إن لم تنالوا العقاب في الارض فاعلموا ان الله العادل سيعاقبكم يوم الحساب». ولم يستجوبه احد من الدفاع. وأعلن ميلن عن ثلاثة شهود سيقدمهم الادعاء الاثنين المقبل، مشيراً الى «صعوبات مع احدهم ونبذل قصارى جهدنا لتذليلها وآمل قريباً إحضاره الاثنين». ولفت الى ان «لدينا شاهداً يصل نهاية الاسبوع (الى لاهاي). وثالثاً قد يصل إما الثلثاء او الاربعاء وأنا أبقى بالعموميات عن قصد». وأشار الى المزيد من الشهود خلال بقية الاسبوع، بعضهم في القاعة وآخرون عبر نظام المؤتمرات المتلفزة. ورفعت الجلسة الى بعد ظهر الاثنين المقبل.