قبل عام ونيف، حذّر زعيم «حزب الله» تنظيم «القاعدة» من خطر الوقوع في فخ يُنصب له في سورية، لاستدراج المقاتلين الإسلاميين إلى هناك والقضاء عليهم في معركة واحدة. بعد أشهر، أعلن الحزب انخراطه العلني في الحرب الأهلية السورية، ومنذ ذلك الحين لم تنته قوافل «شهداء الواجب المقدس» الذين يحولون دون ان «تُسبى زينب مرتين»، على ما تقول لافتات وشعارات عممتها آلة الحزب الدعوية. وبدأ السكان القاطنون في مناطق سيطرة «حزب الله» يدفعون من حياتهم وأرزاقهم ثمن سياسات الحزب وقرارات من أوحى إليه بزج الآلاف من مسلحيه في سورية. بيد أن هذا لم يقنع الحزب بأنه سقط في الفخ الذي حذر «القاعدة» منه. ولم يقنعه أنه وجمهوره ولبنان عموماً باتوا جزءاً من حرب استنزاف كبيرة تشمل إيران والخليج والعراق وسورية. أعقب السقوط في الفخ تسلل إرهابيي «القاعدة» وما يشبهها من تنظيمات إلى الضاحية الجنوبية والهرمل واستهدافهم المدنيين، الضحايا الأسهل في منظومة العمل الإرهابي. لم يلجم الاستهداف هذا إصرار المتحدثين باسم الحزب على رفض وجود علاقة سببية بين التورط في سورية وبين التفجيرات. ولم يخلُ الأمر من استفتاء وسائل الإعلام المقاومة أهالي الضحايا الذين أعلنوا -أمام الكاميرات على الأقل- فرحتهم بسقوط أبنائهم دفاعاً عن الكرامة والشرف وتسليمهم بحكمة «السيّد» وقادة الحزب. الغاية من الإرهاب التكفيري بديهية، تمتد من استكمال معركة كربلاء وصولاً إلى حرف المقاومة عن متابعة مهمتها في تحرير القدس. أي استفهام حول دقة أو تماسك هذه الأهداف يصب، من وجهة نظر الحزب، في الترويج للفكر الصهيو-جهادي- ليبرالي... مهما يكن من أمر، تنبغي ملاحظة أن «حزب الله» بلغ أقصى تمدده العسكري والسياسي غداة معركة القصير في حزيران (يونيو) الماضي، عندما تصور أنه قادر على فرض تغيير ميداني في سورية يوظفه في الداخل اللبناني، على غرار ما فعل بعد حرب تموز (يوليو) 2006، لكن الوقائع أسفرت عن شيء آخر. لقد أظهر عمق الثورة السورية وجذريتها الحدودَ التي يمكن أن يبلغها الحزب. لقد حشر «حزب الله» نفسه في زاوية لا خروج له منها. وتولى بنفسه فضح خطابه المزدوج الطائفي– المقاوم، وممارساته المتناقضة مع مصالح من يدعي الدفاع عنهم. وكل هذا بات قديماً ومعروفاً ولا يحتاج لبراهين أكثر من التي يقدمها الحزب وكتبته وإعلامه. الجديد في المسألة أن الحزب، الذي يقال إنه يحسن قراءة وضع جمهوره في معزل من الشعارات الرنانة، يحاول الالتفاف على مآزقه المتعددة بالعودة إلى السياسة اللبنانية المحلية. يتنازل لفظياً في مسألة تشكيل الحكومة من دون اتخاذ أي خطوة لامتصاص توتر يقترب من الانفجار ويتحمل الحزب مسؤولية القسم الأكبر منه. بدأ السقف العالي من الرعونة اللفظية المعهودة بالانخفاض جراء اصطدام الحزب بحقائق سورية وإقليمية لا مجال لإنكارها، منها نهاية الصيغة السابقة التي حكم بها نظام بشار الأسد ومباشرة إيران عملية تفاوضية ستطول وقد تؤثر على الحزب وتشمله. لا يريد الحزب أن يُظهر أي علامة من علامات الارتباك والضعف، لكنه في المقابل خسر قدرته على الإقناع والترهيب. ويرغب في الحفاظ على حق «الفيتو» على الساحة اللبنانية، من دون الاهتمام بمصالح وضرورات حلفائه قبل خصومه. بهذا المعنى، تبدو قليلة الأهمية أي تشكيلة حكومية مقبلة، فهذه ستعجز عن إنقاذ الحزب الذي دفع نفسه إلى مستنقع من الوحول المتحركة اعتقد في أوج نشوته أنه هو من يتحكم بها.