قرار مجلس الوزراء الإماراتي بإقرار قانون الخدمة الوطنية والاحتياطية بجعل الخدمة العسكرية إجبارية للذكور واختيارية للإناث، مدة تسعة أشهر لمن يحمل الثانوية العامة وما فوق، وسنتين لمن يحمل أقل من الثانوية، جعل بعض الناس ذوي التفسيرات البسيطة يظنون أن الإمارات تنوي أن تفتح جبهة حرب وتستعد لها، والحقيقة تقول إن مثل هذا القرار هو بالفعل جبهة حرب لكن ضد الخمول والترهل والطمع وضمور الأخلاق الشبابية وضياعها التي بدت سمة بارزة في شباب الخليج العربي، وتسببت فيها الطفرة النفطية وتداعياتها، فمع الوفرة وارتفاع دخل العائلات والاعتماد اللامتناهي على العمالة المنزلية، نشأ جيل جديد من الشبان والشابات لا يعرف وجه الحياة الحقيقية، وأصبح يقع سريعاً في مشكلات تتزايد ومعها فقدان القدرة على حلها. عملت مع شبان وشابات سعوديين، نصفهم أدهشني بروعته وذكائه وشخصيته الخلاقة، لكن النصف الآخر أصابني بالفزع، فهذا النصف الثاني يسأل أول ما يسأل حين تطلب منه التعاون في العمل عن كم سيقبض، وحين يعرف فإنه يفضل أن يقدم عملاً بأقل مجهود، ويحب أن يبقى في الصف الأخير، أي لا يبادر بالعمل إلا إذا طلب منه، متمنياً أن يجد من يقوم بعمله عنه، وحين يجد معه نقوداً فإنه يجلس في مقهى أو مطعم تبلغ فاتورته نصف راتبه، ومبرره كما يقول إنه يريد أن يعيش مثل كل الشباب. وهذه هي الحياة بالنسبة إليه الجلوس على المقاهي. شاهدت شاباً لا يحمل سوى شهادة الابتدائية يركب سيارة مرسيدس بعد ضغطٍ على والديه كي يشترياها له، فهو يرى أن قيمته في ما يركب لا في ما اجتهد به، رأيتهم شباناً وشابات يستدينون من زملائهم بلا خجل على رغم معرفتهم أنهم لن يكونوا قادرين على سداد ديونهم، وبعضهم يسافر بالدين المتراكم على بطاقة الفيزا، ومن الواضح بشكل لا تخطئه العين أنهم تعلموا أن يعيشوا عالة على غيرهم، ولا يهمهم سوى الكسب السريع وبأقل مجهود والبحث عن من يعولهم بأية طريقة. هذه التغيرات الجديدة التي أنتجت شخصية رخوة للشباب نحن نتألم منها، لكننا لا نضع خططاً لعلاجها. في الإمارات شاهدت شابات وشباناً من مختلف الجامعات والجنسيات يعملون مثل خلية نحل في كل محفل عام، يستقبلون الضيوف، ويقومون بتسجيلهم، ويجلسونهم في أماكنهم، ويوزعون المنشورات، وحين سألت عن سبب وجودهم قالوا إنهم يؤدون عملاً تطوعياً تقتضيه متطلبات الجامعات، فلا يمكن للطالب أن يتخرج من دون أن يؤدي عدداً محدداً من الساعات في العمل التطوعي وخدمة المجتمع، هذا في الجامعات الأجنبية. لكن في كندا حدثني عربي أن طفلته بدأت في سن ال14 الانخراط في تعلّم قيمة العمل ساعات محددة في النهار وتكسب في مقابلها أحياناً نقداً رمزياً إذا كان المحل تجارياً، كي يتعلموا أهمية الكسب والعمل والاستقلالية منذ الصغر. الدول التي لا تخطط أو لا تقدر على تجنيد شبابها تجنيداً عسكرياً عليها أن تجنده للخدمة الوطنية وخدمة المجتمع منذ الصغر، وهذا الكلام لا ينطبق فقط على الذكور بل وعلى الإناث فهن أمهات المستقبل، وإذا تعلمن ماذا تعني خدمة المجتمع فإنهن سينقلنها لأبنائهن، اليوم مشكلات الطلاق بين الشباب تتزايد لأن معظمهم لا يجد أسباب الرفاهية التي يجدها في منزل والديه، لذا يفضل العودة إلى ذلك المنزل كي يجد من يخدمه ويقوم بالمهمات عنه، والنتيجة بيوت مليئة بالمطلقين وأطفال طلاق بائسين، هل رأيتم كيف انطلقنا من العمل التطوعي والخدمي وانتهينا بدمار العلاقات؟ ولم أذكر بعد خطر الانحراف والمخدرات. الطفل الذي ينشأ على أن يحظى بكل شيء من دون مقابل لا يتعلم ماذا يعني أن يعطي، بل ويصبح طفيلياً حتى وهو كبير. كاتبة سعودية [email protected]