الأدب فكراً أشمل وأجمع، وفي بصيرتي أرفع، فالفيلسوف مقتصر على «تنظير خالص» عار من كل تنمية نصية توصله إلى متلقيه. لذا، هو نص محكور على أهل بيته، يفوقه النص الأدبي، لأنه نص مرن، ينمو ويتشكل في كل أحواله، ويتحرك في كل مساحاته وفنونه، ويتسع لكل فكرة مهما كان حجمها، بينما النص الفلسفي والنص العلمي «نصان جامدان»، لا يقبلان إلا ما أُتي بهما على هيئتهما. يختار الأديب غالباً الرواية، لأنها الحقل الأدبي الأوسع لقول ما لا تتسع له الأجناس الأدبية الأخرى «كالشعر»، و«القصة القصيرة»، و«المسرحية»، فإذا كان الشعر هو التأمل في حال غناء، فالرواية تأمل لحياة كاملة، كحياتنا التي نعيشها. لا يمكن القول أن الفلسفة وحدها كافية، فهي لا تصل جيداً إلا عبر نص ناقل أو مساند لها. وهناك ما يجب تأمله، وما يجب الإعراض عنه، لمقاصد متنوعة، فقصص القرآن الكريم أرفع البيان، وأجلّ المعاني الإنسانية، نقرأها فتشكل لنا أهم وأرقى أساليب القصص، والتنوير الكبير للأرواح، عبر حركة شخصياتها ونتائج أدوارهم المقدرة. لذا، لا تستطيع الفلسفة الانفكاك عن النص الأدبي، لأنه الوعاء الأمثل لتقديم الأفكار والتأملات والتطلعات الإنسانية كافة. فلو دققنا، لوجدنا أن كل الفلاسفة الذين ارتبطوا بالفلسفة لباً وقشرة، كانوا يسبحون في نهر «الشعر» و«الرواية»، فجاءت أعمالهم محاذية للأدب في لغتها، وقاصدة العقل بطريقته، فيقدمون نصاً «إسفنجياً»، يمتص كل فكرة، ويقبض عليه كل كف، خلافاً للفلاسفة المتجردين من أي نص سوى الفلسفة الكائنة بذاتها، إذ تجيء نصوصهم أشبه بقطعة صلبة، لا تدار إلا على طريقة ناحتها. إن الأدب عامة مثل الحصان، يجر خلفه عربة الفلسفة، وغيرها من الرؤى الإنسانية والحياتية، فلا يمكن أن نضع الحصان خلف العربة، ونطلب منه أن يسير بها. لذا، لا يستقيم أي فن يخاطب العقل أو القلب من دون الأدب، لأنه سيستحيل إلى نصوص صماء، لا ترضى بغير ما تنطق به. ماجد سليمان [email protected]