منذ تفجر الأزمة اليمنية الداخلية، وتأثرها بما يسمى الربيع العربي، والأمور السياسية ما زالت تسير دون المطلوب، على رغم الجهود التي تبذل من دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً المملكة العربية السعودية التي يهمها استقرار اليمن، والحفاظ على مكوناته، لذلك فإن المتابع للشأن اليمني يرى أن التطورات المتلاحقة في الجانب الأمني تثير القلق، إذ يواجه اليمن تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، الذي يتخذ من اليمن منطلقاً له، وكذلك التصعيد من جماعة الحوثيين المدعومة من إيران، والتي بدأت تزداد قوة ونفوذاً، وتتمدد بشكل كبير في اليمن بعد المواجهات الأخيرة بينها وبين قبائل حاشد في منطقة دماج في محافظة صعدة. من خلال قراءة فاحصة للأوضاع الحالية في اليمن، نرى أن هناك أطرافاً سياسية وبعضها له أذرع عسكرية تحاول أن تستفيد من الوضع القائم في اليمن، وما آلت إليه الأوضاع في هذا البلد الشقيق، إذ تتقاسم جميع الأحزاب والكتل السياسية المسؤولية عما آلت إليه أوضاع اليمن، وعرقلة الحوار الوطني الذي تبنته المبادرة الخليجية. وكان أحد أهم بنودها، فأحزاب اللقاء المشترك- المعارضة- «الشريك في حكومة الوفاق الانتقالية» تتهم حزب المؤتمر الشعبي العام بأنه يعرقل الحلول في اليمن ويعيق التحول السياسي في البلد، ويعيق إنجاح الحوار الوطني، ويهدد مسار العملية السياسية فيه. وكذلك هناك كتلة الأحرار البرلمانية التي تتهم حزب التجمع اليمنى للإصلاح (الذراع السياسي للإخوان المسلمين في اليمن) باستحواذه على المناصب في أجهزة الدولة، وإقصاء شركائه في تحالف أحزاب اللقاء المشترك عن تلك المناصب، مخالفاً بذلك مبدأ الشراكة التي نصت عليها المبادرة الخليجية. أما الحوثيون فهم مشكلة اليمن الحقيقية، لأنهم يقومون بعمل تصعيدي، سياسياً وعسكرياً، ولديهم مشروع مرسوم من إيران يريدون تنفيذه من خلال استغلال الأزمة السياسية وضعف أجهزة الدولة، ولذلك يقومون بتصعيد الأوضاع الأمنية والسياسية بقرية دماج شمال اليمن من خلال محاولة السيطرة عليها في شكل كامل، ومواجهة القوى الأخرى كقبائل حاشد، وإفشال أي محاولة للاتفاق على بسط سيطرة الدولة ووقف أعمال العنف، وامتلاك هذه الجماعة للأسلحة التي تساعدها في مواجهة جميع القوى في المنطقة، وهو أمر خطر جداً يظهر مدى الدعم الذي تتلقاه هذه الجماعة من إيران وحلفائها. وفي الجانب الآخر هناك الحراك الجنوبي الذي يحاول أن يستفيد من الأزمة السياسية والأمنية لإعادة التوازن في العلاقة بين الشمال والجنوب، لكن هناك العديد من الأصوات المتطرفة - إن لم تكن غالبيتها - تنادي بالانفصال، علماً أن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وهو من محافظة أبين الجنوبية، كان حسم الجدل حول شكل الدولة الاتحادية المنتظرة، معلناً المضي نحو دولة اتحادية متعددة الأقاليم، والبعد عن المركزية، وطرحه الحوار الوطني. بالنسبة ل«القاعدة» فلها حضوره وقوته في اليمن، إذ تعتبر اليمن بالنسبة له من أكبر مراكز حضورها في المنطقة، وتتواجه مع الدولة اليمنية، التي تتلقى مساعدة لمواجهة هذه المنظمة الإرهابية من دول عدة وعلى رأسها الولاياتالمتحدة الأميركية، لكن عدم الاستقرار السياسي والأمني في اليمن يساعد القاعدة في البقاء وجذب من يؤمن بفكرها، ولذلك أصبحت أحد عوامل عدم الاستقرار في اليمن. إن المصاعب التي يواجها اليمن سياسية وكبيرة جداً، وانعكست على الأوضاع الأمنية وأثرت في فرص الحوار الوطني والوصول إلى أي حل سياسي يحفظ لليمن كيانه واستقراره، لذلك ما زالت الأرضية في اليمن غير مهيأة لجلوس مختلف الأطراف والأحزاب السياسية اليمنية، والوصول إلى مستوى جيد من التوافق على الحلول السياسية في اليمن، إذ من المستحيل إجراء أي حوار بناء في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي، وكذلك الاقتصادي، فاليمن يواجه صعوبات اقتصادية كبيرة جداً، إذ إن اقتصاده على وشك الانهيار، على رغم المساعدات الخليجية، فنسبة من يعيش تحت خط الفقر بين 50 و60 في المئة، وهي عالية جداً في بلد يحاول أن يحل مشكلاته الأمنية والسياسية التي تعصف به. إن الخوف هو أن يسير اليمن إلى التفكك، أو يصبح دولة غير مستقرة، ويُستغل للنفاذ إلى المنطقة، فهناك أطراف اليمنية عدة بدأت تعمل على هذا الجانب، فالحوثيون ارتهنوا لتنفيذ متطلبات السياسة الإيرانية في اليمن، ولذلك هم يعملون على خلق كيان مستقل في شمال اليمن، يكون نقطة انطلاق للتدخل الإيراني في المنطقة، ولذلك أصبحت مشكلة الحوثيين جرحاً نازفاً. كما أن الحراك الجنوبي بدعوته لفصل جنوب اليمن، إنما يصب الزيت على النار، ويؤزم الوضع السياسي، فهناك بعض الجنوبيين ممن يطالب بإنشاء دولة حضرموت الكبرى، وهذا خطأ، فالشعب اليمني شعب واحد تجمعه كل أواصر الوحدة، ولا يجوز أن تكون الأوضاع السياسية غير المستقرة رافعة تستغل لتفتيت اليمن وتقسيمه، وهو ركن من أركان الجزيرة العربية، والخاصرة الجنوبية للمملكة العربية السعودية، لذلك لا بد من الحفاظ عليه بأي شكل وبأي ثمن. إن التاريخ يعيد لنا حادثة انهيار سد مأرب، لذلك فإن الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي لليمن، ومساعدته في تجاوز أزمته الحالية بمثابة الحفاظ على سد مأرب قبل انهياره، إذ أدى ذلك الانهيار إلى تغيرات كبيرة جداً في ذلك الوقت. فالحفاظ على اليمن هدف استراتيجي للمملكة ودول المنطقة، لأن هذه الدول أول المتضررين من أية تطورات سلبية في اليمن. لقد كان للمبادرة الخليجية دور بناء في حفظ اليمن من الانزلاق إلى الحرب والمواجهة بين الأطراف كافة، لكن لا بد من إدامة الزخم فيها والحفاظ عليها، لأن من صالح دول الخليج العربي الحفاظ على استقراره اليمن ووحدته، والعمل على مساعدته تنموياً بضخ الاستثمارات الاقتصادية فيه، وتأهيله اقتصادياً للدخول في منظومة مجلس التعاون الخليجي. * أكاديمي سعودي. [email protected]