الأوضاع في اليمن لا تسرُّ. اليمن بين مطرقة تحديات كثيرة مثيرة وسندان أزمات داخلية متعددة. المشكلات تتفاقم. معدل الجهل يرتفع. نسب الخطف تتكاثر. الإرهاب يحاصر الحكومة والشعب. أعمال شغب وتخريب ومواجهات دموية تشهدها البلاد في الفترة الأخيرة. جنوبيون يطالبون بالانفصال، وشماليون «حوثيون» يتمردون على النظام. عناصر من «القاعدة» تعود من أفغانستان والعراق، وتفرّ من السعودية وسورية ومصر، وتتمركز في جبال وعرة وتضاريس صعبة تساعدها على التخطيط لتوجيه ضربات إرهابية جديدة نحو الداخل والخارج. هل سيعود اليمن إلى الانشطار والانفصال بعد «حراك» قادة الجنوب؟! هل هنالك أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية تحرّك الأحداث الداخلية، وتغذي مبررات المحتجّين في المطالبة بالانفصال بعد القبول بالوحدة؟! هل ستجرّ «القاعدة» والحركات المسلّحة البلاد إلى ما يمكن وصفه ب «الصوملة» أو «العرقنة»؟! يواجه اليمن تحديات سياسية وأمنية واقتصادية، فهناك نزاعات مع دول الجوار الأفريقي بسبب الظروف غير المستقرة في كل من الصومال وإثيوبيا وأريتريا، وتحديات اقتصادية وإنسانية في ظل ظروفه الراهنة. وهناك تخرصات تشير إلى أن اليمن قابل للتحول إلى مسرح للصراع والنزاع العالمي بعد أن تمكن عناصر وموالون لتنظيم «القاعدة» وجماعات متشدّدة من التمركز في الداخل اليمني، إضافة إلى تمرد الحوثيين واستقوائهم بالدعم الإيراني، ومجاهرة القبائل بحمل السلاح وخطف السياح في ظل تجاهل لحكم الدولة وتشريعاتها. في اليمن تتعدد التحليلات والتشخيصات لما يجري على الأرض وفق أهداف ينطلق منها كل طرف سواء في السلطة أو المعارضة أو المتمردين أو الانفصاليين، إلا أن تلك المنطلقات لن توفّر حلولاً تساعد البلاد على الخروج من أزماتها، بل ستزيد من الضغط عليها باتجاه انشطارات «غير محمودة» العواقب. ربما لم تدخل الأوضاع الحالية اليمن حتى اليوم إلى غرفة العناية الحرجة، لكن الأحوال تتردى وتتجه نحو التشظي، وتوشك على انفجار ضخم بعد تصاعد نبرة الجنوبيين بالانفصال واستقواء الحوثيين، وتهديدات «القاعدة»، ما بدا يشكل عبئاً ثقيلاً على الحكومة، ما يستدعي منها ضرورة التحرك لتدارك خطورة الأوضاع عبر إيجاد حلول عاجلة لا آجلة. لا بد للقيادة اليمنية من درس الأوضاع والأسباب التي أدت إلى تزايد حركات التمرد ودعوات الانفصال والاستفادة من دروس الماضي، حتى يمكن إيجاد حلول تساعد حكومة الرئيس علي عبدالله صالح على الدعوة إلى حلول توافقية سواء جاءت تلك الحلول كحزمة واحدة أم تدريجية لوقف أية مؤشرات للانفجار الداخلي، والتأثير في أمن اليمن وسلامة شعبه. لا شك في أن أول الحلول، هو الحوار، فهو ضرورة ملحة في خضم تداعيات الأزمات المتعددة وإفرازاتها الانفصالية والتحديات الداخلية المتكالبة من شمال وجنوب، ما يتوجب على الحكومة اليمنية وضع تصوّر سياسي لائق وفق أجندة واضحة تحدد القضايا المختلف عليها وأطراف الحوار، وألا يكون الحوار حكراً على الطرفين السابقين، الحزب الحاكم - المؤتمر الشعبي العام - وأحزاب «اللقاء المشترك»، بعد أن فرضت الأوضاع القائمة طرفين جديدين هما «الحوثيون» في صعدة وقادة «الحراك» في الجنوب. لا يزال الجهل والأمية والفقر والبطالة وتجاهل القبائل لأنظمة الدولة والاحتكام إلى أعرافها وسلاحها وضعف التعليم والأجهزة الأمنية، تشكّل معضلات رئيسية في أزمات اليمن، إضافة إلى وجود «أزمة ثقة» بين السلطة والمعارضة، ما فاقم من تعقيدات الأمور واستنزف قوة الدولة، وهنا تتحمل الحكومة جزءاً كبيراً مما يجري حالياً، خصوصاً أنها تلقت خلال السنوات الماضية دعماً مالياً ضخماً من دول الخليج لبناء اقتصاد وتعليم قويين محورهما بناء الإنسان أولاً. أعتقد أن على دول الجوار من الدول الخليجية، خصوصاً السعودية التحرك نحو المشاركة في «حلحلة» أزمات الجار اليمني قبل تفجّر الأوضاع والتدخل لمساندة الحلول التي تتفق عليها السلطة والمعارضة وتتطلبها المصالح المشتركة، لكون اهتزاز وعدم استقرار الأوضاع في اليمن الموحّد سيؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في أمن واستقرار دول الخليج مجتمعة حتى وإن حصّنت حدودها وأغلقت منافذها.